وانتصب : ضرارا ، على أنه مفعول من أجله ، وقيل : هو مصدر في موضع الحال ، أي : مضارين لتعتدوا ، أي : لتظلموهن ، وقيل : لتلجئوهن إلى الافتداء.
واللام : لام كي ، فإن كان ضرارا حالا تعلقت اللام به ، أو : بلا تمسكوهن ، وإن كان مفعولا من أجله تعلقت اللام به ، وكان علة للعلة ، تقول : ضربت ابني تأديبا لينتفع ، ولا يجوز أن يتعلق : بلا تمسكوهن ، لأن الفعل لا يقضي من المفعول من أجله اثنين إلّا بالعطف ، أو على البدل ، ولا يمكن هنا البدل لاجل اختلاف الإعراب ، ومن جعل اللام للعاقبة جوّز أن يتعلق : بلا تمسكوهن ، فيكون الفعل قد تعدى إلى علة وإلى عاقبة ، وهما مختلفان.
قوله تعالى (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) ذلك إشارة إلى الإمساك على سبيل الضرار والعدوان ، وظلم النفس بتعويضها العذاب ، أو بأن فوت على نفسه منافع الدين من الثواب الحاصل على حسن العشرة ، ومنافع الدنيا من عدم رغبة التزويج به لاشتهاره بهذا الفعل القبيح.
(وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) قال أبو الدرداء : كان الرجل يطلق في الجاهلية ويقول : طلقت وأنا لاعب ، ويعتق وينكح ويقول مثل ذلك ، فأنزل الله هذه الآية ، فقرأها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقال : «من طلق أو حرّر أو نكح فزعم أنه لاعب فهو جدّ». وقال الزمخشري : أي جدّوا في الأخذ بها ، والعمل بما فيها ، وارعوها حق رعايتها وإلّا فقد اتخذتموها هزوا ولعبا ، ويقال لمن لم يجدّ في الأمر إنما أنت لاعب وهازىء. انتهى كلامه.
وقال معناه جماعة من المفسرين ، وقال ابن عطية ، المراد آياته النازلة في الأوامر والنواهي ، وخصها الكلبي بقوله : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَ).
وقال الحسن : نزلت هذه الآية فيمن طلق لاعبا أو هازلا ، أو راجع كذلك ، والذي يظهر أنه تعالى لما أنزل آيات تضمنت الأمر والنهي في النكاح ، وأمر الحيض والإيلاء ، والطلاق والعدة ، والرجعة والخلع ، وترك المعاهدة ، وكانت هذه أحكامها جارية بين الرجل وزوجته ، وفيها إيجاب حقوق للزوجة على الزوج ، وله عليها ، وكان من عادة العرب عدم الاكتراث بأمر النساء والاغتفال بأمر شأنهن ، وكنّ عندهم أقل من أن يكون لهنّ أمر أو حق