وروي عن أبي حنيفة أن عدة الكتابية ثلاث حيض إذا توفي عنها زوجها ، وروي عنه أن عليها عدّة ، فإن لم يدخل فلا عدة قولا واحدا ، ويتخرج على هذين القولين الإحداد ، وتخصيص الحامل قيل : بقوله (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَ) (١) الآية ، ولم يخصص الشافعي هنا العموم في حق الحامل إلّا بالسنة لا بهذه الآية ، لأنها وردت عقيب ذكر المطلقات ، فيحتمل أن يقال : هي في المطلقة ، لا في المتوفى عنها زوجها ، ولأن كل واحدة من الآيتين أعم من الأخرى من وجه ، وأخص منها من وجه ، لأن الحامل قد يتوفى عنها زوجها وقد لا يتوفى ، والتي توفي عنها زوجها قد تكون حاملا وقد لا تكون ، فامتنع التخصيص.
وقيل : الآية تتناول أولا الحوامل ، ثم نسخ بقوله : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ) (٢) وعدة الحامل وضع حملها عند الجمهور.
وروي عن علي ، وابن عباس ، وغيرهما : أن تمام عدتها آخر الأجلين ، واختاره سحنون ، وروي عن ابن عباس أنه رجع عن ذلك.
ومعنى : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ) أي : ينتظرن. قيل : والتربص هنا الصبر عن النكاح ، قاله الحسن ، قال : وليس الإحداد بشيء ولها أن تتزين وتتطيب ، وضعف قوله. وقيل : ترك التزوج ولزوم البيت والإحداد ، وهو أن تمتنع من الزينة ، ومن لبس المصبوغ الجميل مثل الحمرة والصفرة والخضرة ، والطيب ، وما يجري مجرى ذلك. وهذا قول الجمهور ، وليس في الآية نص على الإحداد ، بل التربص مجمل بينته السنة ، ثبت في حديث الفريعة قوله صلىاللهعليهوسلم : «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله». وكانت متوفى عنها زوجها ، قالت : فاعتددت أربعة أشهر وعشرا. وصح أنه قال : «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلّا على زوج ، فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا ، وتلزم المبيت في بيتها». وهذا قول الجمهور ، وقال ابن عباس ، وأبو حنيفة ، وغيرهما : تبيت حيث شاءت ، وروي ذلك عن علي ، وجابر ، وعائشة ، وبه قال عطاء ، وجابر بن زيد ، والحسن ، وداود.
قال ابن عباس : قال تعالى : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ) ولم يقل : يعتددن في بيوتهن ، ولتعتد حيث شاءت أربعة أشهر وعشرا ، قالوا : معناه وعشر ليال ، ولذلك حذف التاء وهي قراءة ابن عباس. والمراد عشر ليال بأيامها ، فيدخل اليوم العاشر ، قيل : وغلب حكم الليالي
__________________
(١ ـ ٢) سورة الطلاق : ٦٥ / ٤.