فواعدوهن محذوفا ، تقديره : النكاح ، وقيل : انتصب على أنه نعت مصدر محذوف ، تقديره : مواعدة سرا. وقيل التقدير في : وانتصب انتصاب الظرف ، على أن المواعدة في السر عبارة عن المواعدة بما يستهجن لإن مسارتهن في الغالب بما يستحي من المجاهرة به ، والذي تدل عليه الآية أنهم : نهوا أن يواعد الرجل المرأة في العدة أن يطأها بعد العدة بوجه التزويج.
وأما تفسير السر هنا بالزنا فبعيد ، لأنه حرام على المسلم مع معتدة وغيرها ، وأما إطلاق المواعدة سرا على النقد فبعيد أيضا ، وأيد قول الجمهور فبعيد أيضا ، لأنهم نهوا عن المواعدة بالنكاح سرا وجهرا ، فلا فائدة في تقييد المواعدة بالسر.
(إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً). هذا الاستثناء منقطع لأنه لا يندرج تحت : سرا ، من قوله : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) على أي تفسير فسرته ، والقول المعروف هو ما أبيح من التعريض ، وقال الضحاك : من القول المعروف أن تقول للمعتدة : احبسى عليّ نفسك فإن لي بك رغبة فتقول هي : وأنا مثل ذلك.
قال ابن عطية : وهدا عندي مواعدة.
وإنما التعريض قول الرجل : إنكن لإماء كرام ، وما قدر كان ، وإنك لمعجبة ونحو هذا.
وقال الزمخشري : (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) وهو أن تعرضوا ولا تصرحوا.
فان قلت : بم يتعلق حرف الاستثناء؟ قلت : بلا تواعدوهنّ ، أي : لا تواعدوهنّ مواعدة قط إلّا مواعدة معروفة غير منكرة ، أو : لا تواعدوهنّ إلّا بأن تقولوا ، أي : لا تواعدوهنّ إلّا التعريض ، ولا يجوز أن يكون استثناء من : سرا ، لادائه إلى قولك : لا تواعدوهن إلّا التعريض انتهى كلام الزمخشري. ويحتاج إلى توضيح ، وذلك أنه جعله استثناء متصلا باعتبار أنه استثناء مفرغ ، وجعل ذلك على وجهين.
أحدهما : أن يكون استثناء من المصدر المحذوف ، وهو الوجه الأول الذي ذكره ، وقدّره : لا تواعدوهنّ مواعدة قط إلّا مواعدة معروفة غير منكرة ، فكأن المعنى : لا تقولوا لهن قولا تعدونهن به إلّا قولا معروفا ، فصار هذا نظير : لا تضرب زيدا ضربا شديدا.
والثاني : أن يكون استثناء مفرغا من مجرور محذوف ، وهو الوجه الثاني الذي ذكره ، وقدره : إلّا بأن تقولوا ، ثم أوضحه بقوله : إلّا بالتعريض ، فكان المعنى : لا تواعدوهنّ