ما تعود عليه الهاءان ، ولما هدّدهم بأنه مطلع على ما في أنفسهم ، وحذرهم منه ، أردف ذلك بالصفتين الجليلتين ليزيل عنهم بعض روع التهديد والوعيد ، والتحذير من عقابه ، ليعتدل قلب المؤمن في الرجاء والخوف ، وختم بهاتين الصفتين المقتضيتين المبالغة في الغفران والحلم ، ليقوي رجاء المؤمن في إحسان الله تعالى ، وطمعه في غفرانه وحلمه إن زل وهفا ، وأبرز كل معنى من التحذير والإطماع في جملة مستقلة ، وكرر اسم الله تعالى للتفخيم ، والتعظيم بمن يسند إليه الحكم ، وجاء خبر إن الأولى بالمضارع ، لأن ما يهجس في النفوس يتكرر فيتعلق العلم به ، فكأن العلم يتكرر بتكرر متعلقه ، وجاء خبر إن الثانية بالاسم ليدل على ثبوت الوصف ، وأنه قد صار كأنه من صفات الذات ، وإن كان من صفات الفعل.
قيل : وتضمنت هذه الآيات ضروبا من البديع.
منها : معدول الخطاب ، وهو أن الخطاب بقوله : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ) الآية عام والمعنى على الخصوص. ومنها : النسخ ، إذ هي ناسخة للحول على قول الأكثرين. ومنها : الاختصاص ، وهو أن يخص عددا فلا يكون ذلك إلّا لمعنى ، وذلك في قوله : (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) ومنها : الكناية ، في قوله : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) كنى بالسر عن النكاح ، وهي من أبلغ الكنايات. ومنها : التعريض ، في قوله : (يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ) ومنها : التهديد ، بقوله (فَاحْذَرُوهُ) ومنها : الزيادة في الوصف ، بقوله : (غَفُورٌ حَلِيمٌ).
(لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) نزلت في أنصاري تزوّج حنيفية ولم يسم مهرا ، ثم طلقها قبل أن يمسها ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «متعها ولو بقلنسوتك» : فذلك قوله : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ) الآية.
ومناسبتها لما قبلها أنه : لما بين تعالى حكم المطلقات المدخول بهنّ ، والمتوفى عنهنّ أزواجهنّ ، بين حكم المطلقة غير المدخول بها ، وغير المسمى لها مدخولا بها ، أو غير ذلك.
والمطلقات أربع : مدخول بها مفروض لها ، ونقيضتها ، ومفروض لها غير مدخول بها ، ونقيضتها.
والخطاب في قوله : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ) للأزواج ، ومعنى نفي الجناح هنا هو أنه : لما نهى عن التزوّج بمعنى الذوق وقضاء الشهوة ، وأمر بالتزوّج طلبا للعصمة والثواب ،