فرض لها ، أو لم يفرض. ومطلقة قبل الفرض ، سواء دخل بها أو لم يدخل. وسيأتي الكلام على قوله : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) إن شاء الله تعالى.
(عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) هذا مما يؤكد الوجوب في المتعة ، إذ أتى بعد الأمر الذي هو ظاهر في الوجوب بلفظة : على ، التي تستعمل في الوجوب ، كقوله : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَ) (١) (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) (٢) والموسع : الموسر ، والمقتر : الضيق الحال ، وظاهره اعتبار حال الزوج ، فمن اعتبر ذلك بحال الزوجة دون الزوج ، أو بحال الزوج والزوجة ، فهو مخالف للظاهر ، وقد جاء هذا القدر مبهما ، فطريقة الاجتهاد وغلبة الظن إذ لم يأت فيه بشيء مؤقت.
ومعنى : قدره ، مقدار ما يطيقه الزوج ، وقال ابن عمر أدناها ثلاثون درهما أو شبهها ، وقال ابن عباس : أرفعها خادم ثم كسوة ثم نفقة ، وقال عطاء : من أوسط ذلك درع وخمار وملحفة ، وقال الحسن : يمتع كل على قدره هذا بخادم ، وهذا بأثواب ، وهذا بثوب ، وهذا بنفقة ، وهذا قول مالك ؛ ومتع الحسن بن عليّ بعشرين ألفا وزقاق من عسل ، ومتع عائشة الخثعمية بعشرة آلاف ، فقالت :
متاع قليل من حبيب مفارق
ومتع شريح بخمسمائة درهم.
وقال ابن مجلز : على صاحب الديوان ثلاثة دنانير ، وقال ابن المسيب : أفضل المتعة خمار ، وأوضعها ثوب. وقال حماد : يمتعها بنصف مهر مثلها.
وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال لرجل من الأنصار ، تزوج امرأة ولم يسم لها مهرا ، ثم طلقها قبل أن يمسها : «أمتعتها» قال : لم يكن عندي شيء قال : «متعها بقلنسوتك». وعند أبي حنيفة لا تنقص عن خمسة دراهم ، لأن أقل المهر عنده عشرة دراهم ، فلا ينقص من نصفها. وقد متع عبد الرحمن بن عوف زوجه أم أبي سلمة ابنه بخادم سوداء ، وهذه المقادير كلها صدرت عن اجتهاد رأيهم ، فلم ينكر بعضهم على بعض ما صار إليه ، فدل على أنها موضوعة عندهم على ما يؤدي إليه الاجتهاد ، وهي بمنزلة تقويم المتلفات وأروش الجنايات التي ليس لها مقادير معلومة ، وإنما ذلك على ما يؤدي إليه الاجتهاد ، وهي من مسألة تقويم المتلفات.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٣٣.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٢٥.