قوله : (لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ) ، العموم. وقيل : نزلت في شهداء بدر ، كانوا أربعة عشر ، ولا يخصص هذا العموم بهذا السبب ، بل العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وفي هذه الآية تسلية لأقرباء الشهداء وإخوانهم من المؤمنين بذكر أنهم أحياء ، فهم مغبوطون لا محزونون عليهم.
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ) : تقدم أن الابتلاء : هو الاختبار ، ليعلم ما يكون من حال المختبر ، وهذا مستحيل بالنسبة إلى الله تعالى ، وإنما معناه هنا : الإجابة ، والضمير الذي للخطاب. قيل : هو للصحابة فقط ، قاله عطاء. خاطبهم بذلك بعد الهجرة ، وأخبرهم بذلك قبل وقوعه تطمينا لقلوبهم ، لأنه إذا تقدم العلم بالواقع ، كان قد استعد له ، بخلاف الأشياء التي تفاجئ ، فإنها أصعب على النفس ، وزيادة ثواب وأجر على ما يحصل لهم من انتظار المصيبة ، وإخبارا بمغيب يقع وفق ما أخبر ، وتمييزا لمن أسلم مريدا وجه الله ممن نافق ، وازدياد إخلاص في حال البلاء على إخلاصه في حال العافية ، وحملا لمن لم يسلم على النظر في دلائل الإسلام ، إذا رأى هؤلاء المبتلين صابرين على دينهم ثابتي الجأش فيه ، مع ما ابتلوا به. وقيل : هؤلاء أهل مكة ، خاطبهم بذلك إعلاما أنه أجاب دعوة نبيه صلىاللهعليهوسلم فيهم ، وليبقوا يتوقعون المصيبة ، فتضاعف عليهم المصيبات. وقيل : هو خطاب للأمة ، ويكون آخر الزمان ، قال كعب : يأتي على الناس زمان لا تحمل النخلة إلا ثمرة ، فيكون هذا الإخبار تحذيرا وموعظة على الركون إلى الدنيا وزهرتها ، ويكون إخبارا بالمغيبات. وقيل : الخطاب لا يراد به معين ، بل هو عام ، لا يتقيد بزمان ولا بمخاطب خاص ، فكأنه قيل : ولنصيبن بكذا ، فيكون في ذلك تحذير ، وأنه للصحابة وغيرهم.
وهذه الآية لها تعلق بقوله : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) الآية ، وقبلها : (وَاشْكُرُوا لِي) ، والشكر يوجب زيادة النعم والابتلاء بما ذكر ، ينافيه ظاهرا ، وتوجيهه : أن إتمام الشرائع إتمام للنعمة ، وذلك يوجب الشكر. والقيام بتلك الشرائع لا يمكن إلا بتحمل المشاق ، فأمر فيها بالصبر ، وأنه أنعم عليه أولا فشكر ، وابتلي ثانيا فصبر ، لينال درجتي الشكر والصبر ، فيكمل إيمانه. كما روي عنه عليهالسلام : «الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر». بشيء متعلق بقوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) ، والباء فيه للإلصاق ، وأفرده ليدل على التقليل ، إذ لو جمعه فقال : بأشياء ، لاحتمل أن تكون ضروبا من كل واحد مما بعده. وقد قرأ الضحاك : بأشياء ، فلا يكون حذف فيما بعدها ، فيكون من في موضع الصفة ، بخلاف