وانتصاب : بينكم ، بالفعل المنهي عنه و : بين ، مشعر بالتخلل والتعارف ، كقوله : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) (١) فهو أبلغ من أن يأتي النهي عن شيء لا يكون بينهم ، لأن الفعل المنهي عنه لو وقع لكان ذلك مشتهرا بينهم ، قد تواطأوا عليه وعلموا به ، لأن ما تخلل أقواما يكون معروفا عندهم.
(إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ختم هذه الآية بهذه الصفة الدالة على المبصرات ، لأن ما تقدمه من العفو من المطلقات والمطلقين ، وهو أن يدفع شطر ما قبضن أو يكملون لهنّ الصداق ، هو مشاهد مرئي ، فناسب ذلك المجيء بالصفة المتعلقة بالمبصرات.
ولما كان آخر قوله : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ) الآية قوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَ) مما يدرك بلطف وخفاء ، ختم ذلك بقوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وفي ختم هذه الآية بقوله : (إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) وعد جميل للمحسن وحرمان لغير المحسن.
وقد تضمنت هذه الآية الكريمة والتي قبلها أنواعا من الفصاحة ، وضروبا من علم البيان والبلاغة.
الكناية في : أن تمسوهنّ ، والتجنيس المغاير ، في : فرضتم لهنّ فريضة ، والطباق في : الموسع والمقتر ، والتأكيد بالمصدرين في : متاعا وحقا ، والاختصاص : في : حقا على المحسنين ، ويمكن أن يكون من : التتميم ، لما قال : حقا ، أفهم الإيجاب ، فلما قال : على المحسنين ، تمم المعنى ، وبيّن أنه من باب التفضل والإحسان لا من باب الإيجاب ، فلما قال : على المحسنين تمم التعميم ، وبين أنه من باب التفضل والإحسان ، لا من باب الإيجاب ؛ والالتفات : في : وأن تعفوا ، ولا تنسوا ؛ والعدول عن الحقيقة إلى المجاز في : الذي بيده عقدة النكاح ، عبر عن الإيجاب والقبول بالعقدة التي تعقد حقيقة ، لما في ذلك القول من الارتباط لكل واحد من الزوجين بالآخر.
(حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) قالوا : هذه الآية معترضة بين آيات المتوفى عنها زوجها ، والمطلقات ، وهي متقدّمة عليهنّ في النزول ، متأخرة في التلاوة ورسم المصحف ، وشبهوها بقوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) (٢) وبقوله : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً) (٣) قالوا :
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٨٨.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٦٧.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٧٢.