وقيل : مناسبة الأمر بالمحافظة على الصلوات عقيب الأوامر السابقة أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، فيكون ذلك عونا لهم على امتثالها ، وصونا لهم عن مخالفتها ، وقيل : وجه ارتباطها بما قبلها وبما بعدها ، أنه لما أمر تعالى بالمحافظة على حقوق الخلق بقوله : (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) ناسب أن يأمر بالمحافظة على حقوق الحق ، ثم لما كانت حقوق الآدميين منها ما يتعلق بالحياة ، وقد ذكره ، ومنها ما يتعلق بالممات ، ذكره بعده ، في قوله : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً) (١) الآية.
والخطاب : يحافظوا لجميع المؤمنين ، وهل يعم الكافرين؟ فيه خلاف. و : حافظوا ، من باب : طارقت النعل ، ولما ضمن المعنى التكرار والمواظبة عدى بعلى ، وقد رام بعضهم أن يبقى فاعل على معناها الأكثر فيها من الاشتراك بين اثنين ، فجعل المحافظة بين العبد وبين الرب ، كأنه قيل : احفظ هذه الصلاة يحفظك الله الذي أمر بها ، ومعنى المحافظة هنا : دوام ذكرها ، أو الدوام على تعجيلها في أول أوقاتها ، أو : إكمال فروضها وسننها ، أو جميع ما تقدّم. أقوال أربعة.
والألف واللام فيها للعهد ، وهي : الصلوات الخمس. قالوا : وكل صلاة في القرآن مقرونة بالمحافظة ، فالمراد بها الصلوات الخمس.
(وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) الوسطى فعلى مؤنثة الأوسط ، كما قال أعرابي يمدح رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
يا أوسط الناس طرّا في مفاخرهم |
|
وأكرم الناس أمّا برّة وأبا |
وهو خيار الشيء وأعدله ، كما يقال : فلان من واسطة قومه ، أي : من أعيانهم ، وهل سميت : الوسطى ، لكونها بين شيئين من : وسط فلان يسط ، إذا كان وسطا بين شيئين؟ أو : من وسط قومه إذا فضلهم؟ فيه قولان ، والذي تقتضيه العربية أن تكون الوسطى مؤنث الأوسط ، بمعنى الفضلى مؤنث الأفضل ، كالبيت الذي أنشدناه : يا أوسط الناس ، وذكر أن أفعل التفضيل لا يبنى إلّا مما يقبل الزيادة والنقص ، وكذلك فعل التعجب ، فكل ما لا يقبل الزيادة والنقص لا يبنيان منه ألا ترى أنك لا تقول زيد أموت الناس؟ ولا : ما أموت زيدا؟ لأن الموت شيء لا يقبل الزيادة ولا النقص ، وإذا تقرر هذا فكون الشيء وسطا بين شيئين
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٤٠.