(حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) (١) وبقوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) (٢) لأن في هذا إشعارا بلقاء العدو ، ثم ما جاء بين هاتين الآيتين جاء كالاعتراض ، فقوله : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) (٣) تتميم أو توكيد لبعض أحكام المطلقات ، وقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ) اعتبار بمن مضى ممن فرّ من الموت ، فمات ، أن لا ننكص ولا نحجم عن القتال ، وبيان المقاتل فيه ، وأنه سبيل الله فيه حث عظيم على القتال ، إذ كان الإنسان يقاتل للحمية ، ولنيل عرض من الدنيا ، والقتال في سبيل الله مورث للعز الأبدي والفوز السرمدي.
(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يسمع ما يقوله المتخلفون عن القتال والمتبادرون إليه ، ويعلم ما انطوت عليه النيات ، فيجازي على ذلك.
(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) هذا على سبيل التأسيس والتقريب للناس بما يفهمونه والله هو الغني الحميد ، شبه تعالى عطاء المؤمن في الدنيا بما يرجو ثوابه في الآخرة بالقرض ، كما شبه بذل النفوس والأموال في الجنة بالبيع والشراء.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها : أنه تعالى لما أمر بالقتال في سبيل الله ، وكان ذلك مما يفضي إلى بذل النفوس والأموال في إعزاز دين الله ، أثنى على من بذل شيئا من ماله في طاعة الله ، وكان هذا أقل حرجا على المؤمنين ، إذ ليس فيه إلّا بذل المال دون النفس ، فأتى بهذه الجملة الاستفهامية المتضمنة معنى الطلب.
قال ابن المغربي : انقسم الخلق حين سمعوا هذه الآية إلى فرق ثلاث.
الأولى : اليهود ، قالوا : إن رب محمد يحتاج إلينا ونحن أغنياء ، وهذه جهالة عظيمة ، ورد عليهم بقوله : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) (٤).
والثانية : آثرت الشح والبخل ، وقدّمت الرغبة في المال.
الثالثة : بادرت إلى الامتثال ، كفعل أبي الدحداح وغيره. انتهى.
و : من ، استفهامية في موضع رفع على الابتداء ، وخبره : ذا ، و : الذي ، نعت : لذا ، أو : بدل منه ، ومنع أبو البقاء أن تكون : من ، وذا ، بمنزلة اسم واحد ، كما كانت : ما ، مع :
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٣٨.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٣٩.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٢٤١.
(٤) سورة آل عمران : ٣ / ١٨١.