(أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) (١) ، (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) (٢) والمصيبة : كل ما أذى المؤمن في نفس أو مال أو أهل ، صغرت أو كبرت ، حتى انطفاء المصباح لمن يحتاجه يسمى : مصيبة. وروي ذلك عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، أنه استرجع عند انطفاء مصباحه. والمعنى في إذا هنا : على التكرار والعموم. وقد تقدم لنا ذكر الخلاف في إذا ، أتدل على التكرار ، أم وضعت للمرّة الواحدة؟ قولان للنحويين.
(قالُوا إِنَّا لِلَّهِ) : قالوا : جواب إذا ، والشرط وجوابه صلة للذين. وإنا : أصله إننا ، لأنها إن دخلت على الضمير المنصوب المتصل ، فحذفت نون من إن. وينبغي أن تكون المحذوفة هي الثانية ، لأنها ظرف ، ولأنها عهد فيها الحذف إذا خففت ، فقالوا : إن زيد لقائم ، وهو حذف هنا لاجتماع الأمثال ، فلذلك عملت ، إذ لو كان من الحذف لا لهذه العلة ، لا نفصل الضمير وارتفع ولم تعمل ، لأنها إذا خففت هذا التخفيف لم تعمل في الضمير. ولله : معناه الإقرار بالملك والعبودية لله ، فهو المتصرّف فينا بما يريد من الأمور.
(وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) : إقرار بالبعث وتنبيه على مصيبة الموت التي هي أعظم المصائب ، وتذكير أن ما أصاب الإنسان دونها فهو قريب ينبغي أن يصبر له. وللمفسرين في هاتين الجملتين المقولتين أقوال : أحدها : أن نفوسنا وأموالنا وأهلينا لله لا يظلمنا فيما يصنعه بنا. الثاني : أسلمنا الأمر لله ورضينا بقضائه ، (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) يعني : للبعث لثواب المحسن ومعاقبة المسيء. الثالث : راجعون إليه في جبر المصاب وإجزال الثواب. الرابع : أن معناه إقرار بالمملكة في قوله : (إِنَّا لِلَّهِ) ، وإقرار بالهلكة في قوله : (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ).
وفي المنتخب ما ملخصه : إن إسناد الإصابة إلى المصيبة ، لا إلى الله تعالى ، ليعم ما كان من الله ، وما كان من غيره. فما كان من الله فهو داخل تحت قوله : (إِنَّا لِلَّهِ) ، لأن في الإقرار بالعبودية تفويضا للأمور إليه ، وما كان من غيره فتكليفه أن يرجع إلى الله في الإنصاف منه ، ولا يتعدى ، كأنه في الأول (إِنَّا لِلَّهِ) ، يدبر كيف يشاء ، وفي الثاني : (إِنَّا إِلَيْهِ) ، ينصف لنا كيف يشاء. وقيل : (إِنَّا لِلَّهِ) ، دليل على الرضا بما نزل به في الحال ، (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) ، دليل على الرضا في الحال بكل ما سينزل به بعد ذلك. واشتملت الآية على فرض ونفل. فالفرض : التسليم لأمر الله ، والرضا بقدره ، والصبر على أداء
__________________
(١) سورة النجم : ٥٣ / ٥٧.
(٢) سورة الواقعة : ٥٦ / ١.