قال : نعم. قال : أو ما علمت أن سبطي أدنى أسباط بني إسرائيل؟ قال : بلى ، قال : أفما علمت أن بيتي أدنى بيوت بني إسرائيل؟ قال : بلى. قال : فبآية انك ترجع وقد وجد أبوك حمره. وكان كذلك.
وانتصب : ملكا على الحال : والظاهر أنه ملكه الله عليهم ، وقال مجاهد : معناه أميرا على الجيش.
(قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ) هذا كلام من تعنت وحاد عن أمر الله ، وهي عادة بني إسرائيل ، فكان ينبغي لهم إذ قال لهم النبي عن الله (إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً) أن يسلموا لأمر الله ، ولا تنكره قلوبهم ، ولا يتعجبوا من ذلك ، ففي المقادير أسرار لا تدرك ، فقالوا : كيف يملك علينا من هو دوننا. ليس من بيت الملك الذي هو سبط يهوذا. ومنه داود وسليمان؟ وليس من بيت النبوّة الذي هو سبط لاوي ومنه موسى وهارون؟ قال ابن السائب : وكان سبط طالوت قد عملوا ذنبا عظيما ، نكحوا النساء نهارا على ظهر الطريق ، فغضب الله عليهم ، فنزع النبوّة والملك منهم ، وكانوا يسمون سبط الإثم.
وفي قولهم : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا) إلى آخره ما يدل على أنه مركوز في الطباع أن لا يقدم المفضول على الفاضل ، واستحقار من كان غير موسع عليه ، فاستبعدوا أن يتملك عليهم من هم أحق بالملك منه ، وهو فقير والملك يحتاج إلى أصالة فيه ، إذ يكون أعظم في النفوس ، وإلى غنى يستعبد به الرجال ، ويعينه على مقاصد الملك ، لم يعتبروا السبب الأقوى ، وهو : قضاء الله وقدره : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) (١) واعتبروا السبب الأضعف ، وهو : النسب والغنى (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (٢) «لا فضل لعربي على عجمى ولا لعجمي على عربي إلّا بالتقوى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)» وقال الله تعالى (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) (٣) قال الشاعر :
وأعجب شيء إلى عاقل |
|
فتوّ عن المجد مستأخره |
إذا سئلوا ما لهم من علا؟ |
|
أشاروا إلى أعظم ناخره |
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٢٦.
(٢) سورة الحجرات : ٤٩ / ١٣.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٢٢١.