و : أنّى ، هنا بمعنى : كيف؟ وهو منصوب على الحال ، و : يكون ، الظاهر أنها ناقصة ، و : له ، في موضع الخبر ، فيتعلق بمحذوف وهو العامل في : أنى ، و : علينا ، متعلق : بالملك ، على معنى الاستعلاء ، تقول : فلان ملك على بني فلان ، وقيل : علينا ، حال من : الملك.
ويجوز أن تكون تامة و : له ، متعلق ، بيكون ، أي : كيف يقع؟ أو : يحدث له الملك علينا ونحن أحق؟ جملة حالية اسمية عطف عليها جملة فعلية ، وهي (لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ) والمعطوف على الحال حال ، والمعنى : أن من اجتمع فيه هذان الوصفان ، وجود من هو أحق منه ، وفقره ، لا يصلح للملك. ويعلق : بالملك ، و : منه ، بأحق ، وتعلق : من المال ، بيؤت ، وفتحت سين السعة لفتحها في المضارع ، إذ هو محمول عليه ، وقياسها الكسر ، لأنه كان أصله ، يوسع ، كوثق يثق ، وإنما فتح عين المضارع لكون لامه حرف حلق ، فهذه فتحة أصلها الكسر ، ولذلك حذفت الواو ، لوقوعها في يسع بين ياء وكسرة ، لكن فتح لما ذكرناه ، ولو كان أصلها الفتح لم يجز حذف الواو ، ألا ترى ثبوتها في يوجل؟ لأنها لم تقع بين كسرة وياء ، فالمصدر والأمر في الحذف محمولان على المضارع ، كما حملوا : عدة وعد على يعد.
(قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ) أي : اختاره صفوة ، إذ هو أعلم تعالى بالمصالح ، فلا تعترضوا على الله.
(وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) قيل : في العلم بالحروب ، والظاهر علم الديانات والشرائع ، وقيل : قد أوحي إليه ونبىء ، وأما البسطة في الجسم فقيل : أريد بذلك معاني : الخير ، والشجاعة ، وقهر الأعداء ، والظاهر أنه : الامتداد ، والسعة في الجسم.
قال ابن عباس : كان طالوت يومئذ أعلم رجل في بني إسرائيل ، وأجمله وأتمه ، وقد تقدّم قول المفسرين في طوله ، ونبه على استحقاق طالوت للملك باصطفاء الله له على بني إسرائيل (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (١) وبما أعطاه من السعة في العلم ، وهو الوصف الذي لا شيء أشرف منه : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (٢) أنا أعلمكم بالله ومن بسطة الجسم ، فإن لذلك عظما في النفوس وهيبة وقوّة ، وكثيرا ما تمدّحت العرب بذلك قال الشاعر :
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٦٨.
(٢) سورة فاطر : ٣٥ / ٢٨.