لا بالنسب ، ودل أيضا على أنه لا حظ للنسب مع العلم ، وفضائل النفس ، وأنها مقدّمة عليه لاختيار الله طالوت عليهم ، لعلمه وقدرته ، وإن كانوا أشرف منه نسبا.
وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة الأخبار بقصة الخارجين من ديارهم ، وهم عالم لا يحصون ، فرارا من الموت ، إما بالقتل إذ فرض عليهم القتال ، وإما بالوباء ، فأماتهم الله ثم أحياهم ليعلموا أنه لا مفر مما قدّره الله تعالى ، وذلك لئلا نسلك ما سلكوه ، فنحجم عن القتال ، فأتت هذه الآية مثبتة لمن جاهد في سبيله ، وذكر تعالى أنه ذو فضل على الناس ، وذلك بإحيائهم والإحسان إليهم ، ومع ذلك فأكثرهم لا يؤدّي شكر الله. ثم أمر بالقتال في سبيل الله ، وبأن نعلم أنه سميع لأقوالنا ، عليم بنياتنا ، ثم ذكر أن من أقرض الله فالله يضاعفه حيث يحتاج إليه ، ثم ذكر أن بيده القبض والبسط ، وأن مرجع الكل إليه ، ثم أخبر تعالى بقصة الملأ من بني إسرائيل ، وذلك لنعتبر بها وتقتدي منها بما كان من أحوالهم حسنا ، ونجتنب ما كان قبيحا. وهذه الحكمة في قصص الأولين علينا لنعتبر بها ، وأنهم حين استولى عليهم العدو ، فملك بلادهم وأسر أبناءهم ، ولم يكن لهم ملك يسوسهم في أمر الحرب ، إذ هي محتاجة إلى من يصدر عن أمره ويجتمع عليه ، فسألوا نبيهم أن ينهض. لهم ملكا برسم الجهاد في سبيل الله ، فتوقع النبي منهم أنه لو فرض عليهم القتال نكصوا عنه ، فأجابوه : بأنا قد وترنا ، وأخرجنا من ديارنا ، وأبنائنا ، وهذا أصعب شيء على النفوس ، وهو أن يخرج من مسكن ألفه ، ويفرق بينه وبين أبنائه ، ولهذا دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اللهم حبب لنا المدينة كحبنا مكة أو أكثر». وكثيرا ما بكى الشعراء المساكن والمعاهد ، ألا ترى إلى قول بلال :
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة |
|
بواد وحولي إذخر وجليل |
وكان قتيبة بن سعيد المحدّث قد رزق من النصيب في الدنيا والجلالة ، وحمل الناس العلم عنه ، وكان ببغداد ، فعبر مرة على مكان مولده ومنشئه صغيرا ببغلان ، قيل : وهي ضيعة من أصغر الضياع ، فتمنى أن لو كان مقيما بها ، ويترك رئاسة بغداد ، دار الخلافة ، وذلك نزوع إلى الوطن ، وذكر تعالى أنه لما فرض القتال عليهم : أعرضوا عن قبوله إلّا قليلا فإنه أخذ أمر الله بالقبول ، ثم عرّض تعالى بالظالمين ، وهم : الذين لم يقبلوا أمر الله بعد أن كانوا طلبوه ، فهو يجازيهم على ظلمهم ، ثم أخبر تعالى عن نبيهم أنه قال لهم عن الله إنه قد بعث طالوت ملكا عليهم ، ولم يكن عندهم من أنفسهم ولا أشرفهم منصبا ، إذ ليس من