مصيبته ، فأحدث استرجاعا ، وإن تقادم عهدها ، كتب الله له من الأجر مثله يوم أصيب». وحديث أم سلمة مشهور ، حيث أخلفها الله عن أبي سلمة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقال ابن جبير : ما أعطي أحد في المصيبة ما أعطيت هذه الأمة ، ولو أعطيها أحد قبلها لأعطيها يعقوب. ألا ترى كيف قال حين فقد يوسف؟ (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) (١)!.
(وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) : إخبار من الله عنهم بالهداية ، ومن أخبر الله عنه بالهداية فلن يضل أبدا. وهذه جملة ثابتة تدل على الاعتناء بأمر المخبر عنه ، إذ كل وصف له يبرز في جملة مستقلة. وبدىء بالجملة الأولى لأنها أهم في حصول الثواب المترتب على الوصف الذي قبله ، وأخرت هذه لأنها تنزلت مما قبلها منزلة العلة ، لأن ذلك القول المترتب عليه ذلك الجزاء الجزيل لا يصدر إلا عمن سبقت هدايته. وأكد بقوله : هم. وبالألف واللام ، كأن الهداية انحصرت فيهم وباسم الفاعل ، ليدل على الثبوت ، لأن الهداية ليست من الأفعال المتجددة وقتا بعد وقت فيخبر عنها بالفعل ، بل هي وصف ثابت. وقيل : المهتدون في استحقاق الثواب وإجزال الأجر. وقيل : إلى تسهيل المصاب وتخفيف الحزن. وقيل : إلى الاسترجاع. وقيل : إلى الحق والصواب ، وهذه التقييدات لا دلالة عليها في اللفظ ، فالأولى الحمل على الهداية التي هي الإيمان ، ونظير هاتين الجملتين قوله (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢). والكلام في إعراب : هم المهتدون ، كالكلام على : المفلحون ، وقد تقدم.
وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة مزيد التوكيد في الأمر بتولية وجهه من حيث خرج صلىاللهعليهوسلم شطر المسجد ، وبتوليتهم وجوههم شطره للاعتناء بأمر نسخ القبلة ، حيث كان النسخ صعبا على النفوس ، حيث ألفوا أمرا ، وأمروا بتركه والانتقال إلى غيره ، وخصوصا عند من لا يرى النسخ. فلذلك كرر وأنه تعالى أمر بذلك وفعله لانتفاء حجج الناس ، لأن ذلك ، إذا كان بأمر منه تعالى ، لم تبق لأحد حجة على ممتثل أمر الله ، لأن أمر الله ثانيا ، كأمره أولا. وهو قد أمر أولا باستقبال بيت المقدس ، وأمر آخرا باستقبال الكعبة. فلا فرق بين الأمرين ، ولا حجة لمن خالف. واستثنى من الناس من ظلم ، لأنه لا تنقطع حججه ، وإن كانت باطلة ، ولا تشغيباته وتمويهاته ، لأنه قام به وصف يمنعه من إدراك الحق والبلج به ، ثم أمرهم تعالى بخشيته ، ونهاهم عن خشية الناس ، لأنهم إذا خشوا الله تعالى امتثلوا
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٨٤.
(٢) سورة لقمان : ٣١ / ٥. وسورة البقرة : ٢ / ٥.