إلى الذي؟ أرأيت كالذي حاجّ؟ فعطف قوله : أو كالذي مر ، على هذا المعنى ، والعطف على المعنى موجود في لسان العرب قال الشاعر :
تقي نقي لم يكثر غنيمة |
|
بنهكة ذي قربى ولا بحقلّد |
المعنى في قوله : لم يكثر : ليس بمكثر : ولذلك راعى هذا المعنى فعطف عليه قوله : ولا بحقلد. وقال آخر :
أجدّك لن ترى بثعيلبات |
|
أو لا ببيداء ناجية ذمولا |
ولا متدارك والليل طفل |
|
ببعض نواشع الوادي حمولا |
المعنى : أجدّك لست برآء ، ولما راعى هذا المعنى عطف عليه قوله : ولا متدارك ، والعطف على المعنى نصوا على أنه لا ينقاس.
وقال الزمخشري ، أو كالذي : معناه أو رأيت مثل الذي؟ فحذف لدلالة : ألم تر؟ عليه لأن كلتيهما كلمة تعجيب. انتهى. وهو تخريج حسن ، لأن إضمار الفعل لدلالة المعنى عليه أسهل من العطف على مراعاة المعنى ، وقد جوّز الزمخشري الوجه الأول.
وقيل : الكاف زائدة ، فيكون : الذي ، قد عطف على : الذي ، التقدير : ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم؟ أو الذي مرّ على قرية؟ قيل : كما زيدت في قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (١). وفي قوله الراجز :
فصيروا مثل كعصف مأكول
ويحتمل أن لا يكون ذلك على حذف فعل ، ولا على العطف على المعنى ، ولا على زيادة الكاف ، بل تكون الكاف اسما على ما يذهب إليه أبو الحسن ، فتكون الكاف في موضع جر ، معطوفة على الذي ، التقدير : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ) أو إلى مثل (كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) ومجيء الكاف اسما فاعلة ، ومبتدا ومجرورة بحرف الجر ثابت في لسان العرب ، وتأويلها بعيد ، فالأولى هذا الوجه الأخير ، وإنما عرض لهم الإشكال من حيث اعتقاد حرفية الكاف ، حملا على مشهور مذهب البصريين ، والصحيح ما ذهب إليه أبو الحسن ، ألا ترى في الفاعلية لمثل في قول الشاعر :
وإنك لم يفخر عليك كفاخر |
|
ضعيف ولم يغلبك مثل مغلب؟ |
__________________
(١) وردت الآية في الأصل : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ*) والآية من سورة الشورى ٤٢ / ١١ ، وليس فيها : (السَّمِيعُ الْعَلِيمُ*) ، علما أن (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ*) ترد بكثرة في آيات القرآن الكريم ولكن ليس بهذا السياق التام.