يعود على الله ، أمره أن يعلم غيره بما شاهد من قدرة الله ، وعلى ما جوّزوا في : اعلم الأمر ، من علم يجوز أن يكون الفاعل ضمير المار.
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) مناسبة هذة الآية لما قبلها في غاية الظهور ، إذ كلاهما أتى بها دلالة على البعث المنسوب إلى الله تعالى ، في قول إبراهيم لنمروذ (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) لكن المار على القرية أراه الله ذلك في نفسه وفي حماره ، وإبراهيم أراه ذلك في غيره ، وقدّمت آية المار على آية إبراهيم ، وإن كان إبراهيم مقدّما في الزمان على المار ، لأنه تعجب من الإحياء بعد الموت ، وإن كان تعجب اعتبار فأشبه الإنكار ، وإن لم يكن إنكارا فكان أقرب إلى قصة النمروذ وإبراهيم ، وأما إن كان المار كافرا فظهرت المناسبة أقوى ظهور. وأما قصة إبراهيم فهي سؤال لكيفية إراءة الإحياء ، ليشاهد عيانا ما كان يعلمه بالقلب ، وأخبر به نمروذ.
والعامل في : إذ ، على ما قالوا محذوف ، تقديره : واذكر إذ قال ، وقيل : العامل مذكور وهو : ألم تر ، المعنى : ألم تر إذ قال ، وهو مفعول : بتر. والذي يظهر أن العامل في : إذ ، قوله (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) كما قررنا ذلك في قوله (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) (١) وفي افتتاح السؤال بقوله : رب ، حسن استلطاف واستعطاف للسؤال ، وليناسب قوله لنمروذ (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) لأن الرب هو الناظر في حاله ، والمصلح لأمره ، وحذفت ياء الإضافة اجتزاء بالكسرة ، وهي اللغة الفصحى في نداء المضاف لياء المتكلم ، وحذف حرف النداء للدّلالة عليه. و : أرني ، سؤال رغبة ، وهو معمول : لقال ، والرؤية هنا بصيرية ، دخلت على رأى همزة النقل ، فتعدّت لاثنين : أحدهما ياء المتكلم ، والآخر الجملة الاستفهامية. فقوله : (كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) في موضع نصب ، وتعلق العرب رأى البصرية من كلامهم ، أما ترى ، أيّ برق هاهنا. كما علقت : نظر ، البصرية. وقد تقرر.
وعلم أن الأنبياء ، عليهمالسلام ، معصومون من الكبائر والصغائر التي فيها رذيلة إجماعا ، قاله ابن عطية ، والذي اخترناه أنهم معصومون من الكبائر والصغائر على الإطلاق ، وإذا كان كذلك ، فقد تكلم بعض المفسرين هنا في حق من سأل الرؤية هنا بكلام ضربنا عن ذكره صفحا ، ونقول : ألفاظ الآية لا تدل على عروض شيء يشين المعتقد ، لأن ذلك سؤال أن يريه عيانا كيفية إحياء الموتى ، لأنه لما علم ذلك بقلبه وتيقنه ،
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٣٠.