وانتصاب : سعيا ، على أنه مصدر في موضع الحال من ضمير الطيور ، أي : ساعيات ، وروي عن الخليل : أن المعنى يأتينك وأنت تسعى سعيا. فعلى هذا يكون مصدرا لفعل محذوف ، هو في موضع الحال من الكاف ، وكان المعنى : يأتينك وأنت ساع إليهنّ ، أي يكون منهنّ إتيان إليك ، ومنك سعي إليهنّ ، فتلتقي بهنّ. والوجه الأول أظهر ، وقيل : انتصب : سعيا ، على أنه مصدر مؤكد لأن السعي والإتيان متقاربان. وروي في قصص الآية أن إبراهيم أخذ هذه الطيور وذكاها وقطعها قطعا صغارا ، وجمع ذلك مع الدم والريش ، وجعل من ذلك المجموع المختلط جزءا على كل جبل ، ووقف هو من حيث يرى الأجزاء ، وأمسك رؤوس الطير في يده ثم قال : تعالين بإذن الله فتطايرت تلك الأجزاء وصار الدم إلى الدم ، والريش إلى الريش ، حتى التأمت كما كانت أولا ، وبقيت بلا رؤوس ، ثم كرر النداء فجاءته سعيا حتى وضعت أجسادها في رؤوسها ، وطارت بإذن الله.
وزاد النحاس : أن ابراهيم : كان إذا أشار إلى واحد منها بغير رأسه تباعد الطائر ، وإذا أشار إليه برأسه قرب منه حتى لقي كل طائر رأسه. وقال أبو عبد الله : ذبحهن ونحز أجزاءهنّ في المنحاز ، يعني الهاون لأرؤسهن ، وجعل ذلك المختلط عشرة أجزاء على عشرة جبال ، ثم جعل مناقيرهنّ بين أصابعه ، ثم دعاهنّ فأتين سعيا يتطاير اللحم إلى اللحم ، والريش إلى الريش ، والجلد إلى الجلد ، بقدرة الله تعالى.
وأجمع أهل التفسير أن إبراهيم قطع أعضاءها ولحومها وريشها وخلط بعضها ببعص مع دمائها ، وأنكر ذلك أبو مسلم ، وقال : لما طلب إبراهيم احياء الميت من الله ، أراه مثالا قرب به الأمر عليه ، والمراد : بصرهنّ إليك : أملهنّ ، ومر بهنّ على الإجابة بحيث يصرن إذا دعوتهنّ أجبنك ، فإذا صرن كذلك فاجعل على كل جبل منهنّ واحدا منها حال حياته ، ثم ادعهنّ يأتينك سعيا.
والغرض منه ذكر مثال محسوس في عود الأرواح إلى الأجساد على سبيل السهولة ، وأنكر القول بالتقطيع ، قال : لأن المشهور في اللغة في : فصرهنّ ، أملهنّ. وأما التقطيع والذبح ، فليس في اللفظ ما يدل عليه ، وبأنه لو كان المعنى : قطعهنّ ، لم يقل : إليك ، وتعليقه : بخذ ، خلاف الظاهر ، وبأن الضمير في : ثم ادعهنّ ، وفي يأتينك عائد إليها لا إلى الأجزاء وعوده على الاجزاء المتفرقة خلاف الظاهر ، ولا دليل فيما ذكر ، واحتج الأول بإجماع المفسرين الذين كانوا قبل أبي مسلم على التقطيع ، وبأن ما ذكره غير مختص