هو الظاهر ، فيكون المراد التبرع بأي فعل طاعة كان ، وهو قول الحسن ؛ أو بالنفل على واجب الطواف ، قاله مجاهد ، أو بالعمرة ، قاله ابن زيد ؛ أو بالحج والعمرة بعد قضاء الواجب عليه ، أو بالسعي بين الصفا والمروة ، وهذا قول من أسقط وجوب السعي ، لما فهم الإباحة في التطوف بهما من قوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) ، حمل هذا على الطواف بهما ، كأنه قيل : ومن تبرع بالطواف بينهما ، أو بالسعي في الحجة الثانية التي هي غير واجبة ، أقوال ستة. وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر : تطوّع فعلا ماضيا هنا ، وفي قوله : (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) (١) ، فيحتمل من أن يكون بمعنى الذي ، ويحتمل أن تكون شرطية. وقرأ حمزة ، والكسائي : يطوّع مضارعا مجزوما بمن الشرطية ، وافقهما زيد ورويس في الأول منهما ، وانتصاب خيرا على المفعول بعد إسقاط حرف الجر ، أي بخير ، وهي قراءة ابن مسعود ، قرأ : يتطوّع بخير. ويطوّع أصله : يتطوّع ، كقراءة عبد الله ، فأدغم. وأجازوا جعل خيرا نعتا لمصدر محذوف ، أي ومن يتطوع تطوعا خيرا.
(فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ) : هذه الجملة جواب الشرط. وإذا كانت من موصولة في احتمال أحد وجهي من في قراءة من قرأ تطوّع فعلا ماضيا ، فهي جملة في موضع خبر المبتدأ ، لأن تطوّع إذ ذاك تكون صلة. وشكر الله العبد بأحد معنيين : إما بالثواب ، وإما بالثناء. وعلمه هنا هو علمه بقدر الجزاء الذي للعبد على فعل الطاعة ، أو بنيته وإخلاصه في العمل. وقد وقعت الصفتان هنا الموقع الحسن ، لأن التطوّع بالخير يتضمن الفعل والقصد ، فناسب ذكر الشكر باعتبار الفعل ، وذكر العلم باعتبار القصد ، وأخرت صفة العلم ، وإن كانت متقدمة ، على الشكر ، كما أن النية مقدمة على الفعل لتواخي رؤوس الآي.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) : الآية نزلت في أهل الكتاب وكتمانهم آية الرجم وأمر النبي صلىاللهعليهوسلم. وذكر ابن عباس : أن معاذا سأل اليهود عما في التوراة من ذكر النبي صلىاللهعليهوسلم فكتموه إياه ، فأنزل الله هذه الآية. والكاتمون هم أحبار اليهود وعلماء النصارى ، وعليه أكثر المفسرين وأحبار اليهود كعب بن الأشرف ، وكعب بن أسد ، وابن صوريا ، وزيد بن التابوه. ما أنزلنا : فيه خروج من ظاهر إلى ضمير متكلم. والبينات : هي
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٨٤.