وإقامة المضاف إليه مقامها ، وقد حذف الموصوف به ، أي : فاجتمع حذف الموصوف به وحذف الصفة ، وهذا كله يحتاج في إثباته إلى دليل.
(وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ). أصله : يتذكر ، فأدغم التاء في الذال ، و : أولو الألباب ، هم أصحاب العقول السليمة ، وفي هذا حث على العمل بطاعة الله ، والامتثال لما أمر به من الإنفاق ، ونهي عنه من التصدّق بالخبيث ، وتحذير من وعد الشيطان وأمره ، ووثوق بوعد الله ، وتنبيه على أن الحكمة هي العقل المميز به بين الحق والباطل ، وذكر التذكر لما قد يعرض للعاقل من الغفلة في بعض الأحيان ، ثم يتذكر ما به صلاح دينه ودنياه فيعمل عليه.
(وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) ظاهره العموم في كل صدقة في سبيل الله ، أو سبيل الشيطان ، وكذلك النذر عام في طاعة الله أو معصيته ، وأتى بالمميز في قوله : من نفقة ، و : من نذر ، وإن كان مفهوما من قوله : وما أنفقتم ، ومن قوله : أو نذرتم ، من نذر ، لتأكيد اندراج القليل والكثير في ذلك ، ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ، وقيل : تختص النفقة بالزكاة لعطف الواجب عليه وهو النذر ، والنذر على قسمين : محرم وهو كل نذر في غير طاعة الله ، ومعظم نذور الجاهلية كانت على ذلك ؛ ومباح مشروط وغير مشروط ، وكلاهما مفسر ، نحو : إن عوفيت من مرض كذا فعليّ صدقة دينار ، ونحو : لله علي عتق رقبة. وغير مفسر ، نحوه إن عوفيت فعليّ صدقة أو نذر ، وأحكام النذر مذكورة في كتب الفقه.
قال مجاهد معنى : يعلمه ، يحصيه ، وقال الزجاج : يجازي عليه ، وقيل : يحفظه. وهذه الأقوال متقاربة.
وتضمنت هذه الآية وعدا ووعيدا بترتيب علم الله على ما أنفقوا أو نذروا ، و : من نفقة ، و : من نذر ، تقدم نظائرها في الإعراب فلا تعاد ، وفي قوله : من نذر ، دلالة على حذف موصول قبل قوله : نذرتم ، تقديره : أو ما نذرتم من نذر ، لأن : من نذر ، تفسير وتوضيح لذلك المحذوف ، وحذف ذلك للعلم به ، ولدلالة ما في قوله : وما أنفقتم ، عليه ، كما حذف ذلك في قوله :
أمن يهجو رسول الله منكم |
|
ويمدحه وينصره سواء؟ |
التقدير : ومن يمدحه ، فحذفه لدلالة : من ، المتقدمة عليه ، وعلى هذا الذي تقرر من حذف