والظاهر انه أفعل التفضيل ، والمفضل عليه محذوف لدلالة المعنى عليه وهو الإبداء ، والتقدير : فهو خير لكم من إبدائها.
وظاهر الآية : أن إخفاء الصدقات على الإطلاق أفضل ، سواء كانت فرضا أو نفلا ، وإنما كان ذلك أفضل لبعد المتصدّق فيها عن الرياء والمنّ والأذى ، ولو لم يعلم الفقير بنفسه ، وأخفى عنه الصدقة أن يعرف ، كان أحسن وأجمل بخلوص النية في ذلك.
قال بعض الحكماء : إذا اصطنعت المعروف فاستره ، وإذا اصطنع إليك فانشره. وقال العباس بن عبد المطلب : لا يتم المعروف إلّا بثلاث خصال : تعجيله ، وتصغيره في نفسك ، وستره. فإذا عجلته هنيته ، وإذا صغرته عظمته ، وإذا سترته أتممته. وقال سهل بن هارون :
يخفي صنائعه والله يظهرها |
|
إن الجميل إذا أخفيته ظهرا |
وفي الإبداء والإخفاء طباق لفظي ، وفي قوله : وتؤتوها الفقراء طباق معنوى ، لأنه لا يؤتي الصدقات إلّا الأغنياء ، فكأنه قيل : إن يبد الصدقات الأغنياء. وفي هذه الآية دلالة على أن الصدقة حق للفقير ، وفيها دلالة على أنه يجوز لرب المال أن يفرق الصدق بنفسه.
(وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) قرأ بالواو الجمهور في : ويكفر ، وبإسقاطها وبالياء والتاء والنون ، وبكسر الفاء وفتحها ، وبرفع الراء وجزمها ونصبها ، فاسقاط الواو رواه أبو حاتم عن الأعمش ، ونقل عنه أنه قرأ بالياء وجزم الراء ، ووجهه أنه بدل على الموضع من قوله : فهو خير لكم لأنه في موضع جزم ، وكأن المعنى : يكن لكم الإخفاء خيرا من الإبداء ، أو على إضمار حرف العطف : أي ويكفر.
وقرأ ابن عامر بالياء ورفع الراء. وقرأ الحسن بالياء وجزم الراء ، وروي عن الأعمش بالياء ونصب الراء. وقرأ ابن عباس بالتاء وجزم الراء ، وكذلك قرأ عكرمة إلّا أنه فتح الفاء وبنى الفعل للمفعول الذي لم يسم فاعله. وقرأ ابن هرمز ، فيما حكى عنه المهدوي بالتاء ورفع الراء ، وحكي عن عكرمة ، وشهر بن حوشب : بالتاء ونصب الراء. وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو بكر : بالنون ورفع الراء. وقرأ نافع ، وحمزة ، والكسائي : بالنون والجزم ، وروي الخفض عن الأعمش بالنون ونصب الراء فيمن قرأ بالياء.
فالأظهر أن الفعل مسند إلى الله تعالى ، كقراءة من قرأ : ونكفر ، بالنون فإنه ضمير لله