عليكم ، فلا تمنوا به ، ولا تؤذوا الفقراء ، ولا تبالوا بمن صادفتم من مسلم أو كافر ، فإن ثوابه إنما هو لكم. وقال سفيان بن عيينة : معنى : فلأنفسكم ، فلأهل دينكم ، كقوله تعالى : (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) (١) (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) (٢) أي : أهل دينكم ، نبه على أن حكم الفرض من الصدقة بخلاف حكم التطوّع ، فإن الفرض لأهل دينكم دون الكفار.
وحكي عن بعض أهل العلم أنه كان يصنع كثيرا من المعروف ، ثم يحلف أنه ما فعل مع أحد خيرا قط ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنما فعلت مع نفسي ، ويتلو هذه الآية.
وروي عن عليّ ، كرم الله وجهه ، أنه كان يقول : ما أحسنت إلى أحد قط ، ولا أسأت له ثم يتلو : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) (٣).
(وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) أي : وما تنفقون النفقة المعتد لكم قبولها إلّا ما كان إنفاقه لابتغاء وجه الله ، فإذا عريت من هذا القصد فلا يعتد بها فهذا خبر شرط فيه محذوف أي : وما تنفقون النفقة المعتدة القبول ، فيكون هذا الخطاب للأمة. وقيل : هو خير من الله أن نفقتهم أي : نفقة الصحابة ، رضياللهعنهم ، ما وقعت إلّا على الوجه المطلوب من ابتغاء وجه الله ، فتكون هذه شهادة لهم من الله بذلك ، وتبشيرا بقبولها ، إذ قصدوا بها وجه الله تعالى ، فخرج هذا الكلام مخرج المدح والثناء ، فيكون هذا الخطاب خاصا بالصحابة.
وقال الزمخشري : وليست نفقتكم إلّا لابتغاء وجه الله ، ولطلب ما عنده ، فما لكم تمنون بها وتنفقون الخبيث الذي لا يوجه مثله إلى الله؟ وهذا فيه إشارة إلى مذهب المعتزلة ، من أن الصدقة وقعت صحيحة ، ثم عرض لها الإبطال. بخلاف قول غيرهم : إن المن والأذى قارنها. وقيل : هو نفي معناه النهي ، أي : ولا تنفقوا إلّا ابتغاء وجه الله ، ومجازه أنه : لما نهى عن أن يقع الإنفاق إلّا لوجه الله ، حصل الامتثال ، وإذا حصل الامتثال ، فلا يقع الإنفاق إلّا لإبتغاء وجه الله ، فعبر عن النهي بالنفي لهذا المعنى.
وانتصاب ابتغاء على أنه مفعول من أجله ، وقيل : هو مصدر في موضع الحال تقديره : مبتغين ، وعبر بالوجه عن الرضا ، كما قال : ابتغاء مرضاة الله ، وذلك على عادة
__________________
(١) سورة النور : ٢٤ / ٦١.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٢٩.
(٣) سورة الإسراء : ١٧ / ٧.