مقالات. قال المرتعش : عزتهم على الفقر ، وقال الثوري : فرحهم بالفقر ، وقال أبو عثمان : إيثار ما عندهم مع الحاجة إليه ، وقيل : تيههم على الغني ، وقيل : طيب القلب وبشاشة الوجه.
والباء متعلقة : بتعرفهم ، وهي للسبب ، وجوزوا في هذه الجملة ما جوزوا في الجمل قبلها ، من الحالية ، ومن الاستئناف.
وفي هذه الآية طباق في موضعين : أحدهما : في قوله : أحصروا وضربا في الأرض ، والثاني : في قوله : للفقراء وأغنياء.
(لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) إذا نفي حكم عن محكوم عليه بقيد ، فالأكثر في لسان العرب انصراف النفي لذلك القيد ، فيكون المعنى على هذا ثبوت سؤالهم ، ونفي الإلحاح أي : وإن وقع منهم سؤال ، فإنما يكون بتلطف وتستر لا بإلحاح ، ويجوز أن ينفي ذلك الحكم فينتفي ذلك القيد ، فيكون على هذا نفي السؤال ونفي الإلحاح ، فلا يكون النفي على هذا منصبا على القيد فقط.
قال ابن عباس : لا يسألون إلحافا ولا غير إلحاف ، ونظير هذا : ما تأتينا فتحدثنا. فعلى الوجه الأول : ما تأتينا محدثا ، إنما تأتي ولا تحدث ، وعلى الوجه الثاني : ما يكون منك إتيان فلا يكون حديث ، وكذلك هذا لا يقع منهم سؤال البتة فلا يقع إلحاح. ونبه على نفي الإلحاح دون غير الإلحاح لقبح هذا الوصف ، ولا يراد به نفي هذا الوصف وحده ووجود غيره ، لأنه كان يصير المعنى الأول وإنما يراد بنفي مثل هذا الوصف نفي المترتبات على المنفي الأول لأنه نفي الأول على سبيل العموم ، فتنفي مترتباته ، كما أنك إذا نفيت الإتيان فانتفى الحديث ، انتفت جميع مترتبات الإتيان من : المجالسة والمشاهدة والكينونة في محل واحد ، ولكنه نبه بذكر مترتب واحد لغرض ما عن سائر المترتبات ، وتشبيه الزجاج هذا المعنى في الآية ، بقول الشاعر :
على لاحب لا يهتدي بمناره
إنما هو مطلق انتفاء الشيئين ، أي لا سؤال ولا إلحاف. وكذلك : هذا لا منار ولا هداية ، لا إنه مثله في خصوصية النفي ، إذ كان يلزم أن يكون المعنى : لا إلحاف ، فلا سؤال ، وليس تركيب الآية على هذا المعنى ، ولا يصح : لا إلحاف فلا سؤال ، لأنه لا يلزم من نفي الخاص نفي العام ، كما لزم من نفي المنار نفي الهداية التي هي من بعض