لوازمه ، وإنما يؤدي معنى النفي على طريقة النفي في البيت أن لو كان التركيب : لا يلحفون الناس سؤالا ، لأنه يلزم من نفي السؤال نفي الإلحاف ، إذ نفي العام يدل على نفي الخاص ، فتلخص من هذا كله : أن نفي الشيئين تارة يدخل حرف النفي على شيء فتنتفي جميع عوارضه ، ونبه على بعضها بالذكر لغرض ما ، وتارة يدخل حرف النفي على عارض من عوارضه ، والمقصود نفيه ، فينتفي لنفيه عوارضه.
وقال ابن عطية : تشبيهه ، يعني الزجاج ، الآية ببيت امرئ القيس غير صحيح ، ثم بين أن انتفاء صحة التشبيه من جهة أنه ليس مثله في خصوصية النفي ، لأن انتفاء المنار في البيت يدل على انتفاء الهداية ، وليس انتفاء الإلحاح يدل على انتفاء السؤال ، وأطال ابن عطية في تقرير هذا ، وقد بينا أن تشبيه الزجاج إنما هو في مطلق انتفاء الشيئين ، وقررنا ذلك.
وقيل : معنى إلحافا أنه السؤال الذي يستخرج به المال لكثرة تلطفه ، أي : لا يسألون الناس بالرفق والتلطف ، وإذا لم يوجد هذا ، فلأن لا يوجد بطريق العنف أولى ، وقيل : معنى إلحافا أنهم يلحفون على أنفسهم في ترك السؤال ، أي : لا يسألون لإلحاحهم على أنفسهم في : ترك ، السؤال ، ومنعهم ذلك بالتكليف الشديد ، وقيل : من سأل ، فلا بد أن يلح ، فنفي الإلحاح عنهم مطلقا موجب لنفي السؤال مطلقا. وقيل : هو كناية عن عدم إظهار آثار الفقر ، والمعنى : أنهم لا يضمون إلى السكوت من رثاثة الحال والانكسار ، وما يقوم مقام السؤال الملحّ ، ويحتمل أن تكون هذه الجملة حالا ، وأن تكون مستأنفة. ومن جوز الحال في هذه الجمل وذو الحال واحد ، إنما هو على مذهب من يجيز تعدد الحال لذي حال ، وهي مسألة خلاف وتفصيل مذكور في علم النحو.
وجوزوا في إعراب : إلحافا ، أن يكون مفعولا من أجله ، وأن يكون مصدرا لفعل محذوف دل عليه : يسألون ، فكأنه قال : لا يلحفون. وأن يكون مصدرا في موضع الحال تقديره : لا يسألون ملحفين.
(وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) تقدّم : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) وليس على سبيل التكرار ، والتأكيد بل كل منهما مقيد بغير قيد الآخر فالأول : ذكر أن الخير الذي يعلمه مع غيره إنما هو لنفسه ، وأنه عائد إليه جزاؤه ، والثاني : ذكر أن ذلك الجزاء الناشئ عن الخير يوفاه كاملا من غير نقص ولا بخس ،