صالح عن ابن عباس ، وبه قال ابن جبير ؛ وعن ابن مسعود : أن الربا وإن كثر ، فعاقبته إلى قل. وروى الضحاك عن ابن عباس أن محاقه إبطال ما يكون منه من صدقة وصلة رحم وجهاد ونحو ذلك.
(وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) قيل : الإرباء حقيقة وهو أنه يزيدها وينميها في الدنيا بالبركة ، وكثرة الأرباح في المال الذي خرجت منه الصدقة ، وقيل : الزيادة معنوية ، وهي تضاعف الحسنات والأجور الحاصلة بالصدقة ، كما جاء في كثير من الآيات والأحاديث.
وقرأ ابن الزبير ، ورويت عن النبي صلىاللهعليهوسلم : يمحق ويربي ، من : محق وربى مشدّدا.
وفي ذكر المحق والإرباء بديع الطباق ، وفي ذكر الربا ويربى بديع التجنيس المغاير.
(وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) فيه تغليظ أمر الربا وإيذان أنه من فعل الكفار لا من فعل أهل الإسلام ، وأتى بصيغة المبالغة في الكافر والآثم ، وإن كان تعالى لا يحب الكافر ، تنبيها على عظم أمر الربا ومخالفة الله وقولهم : (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) وأنه لا يقول ذلك ، ويسوي بين البيع والربا ليستدل به على أكل الربا إلّا مبالغ في الكفر ، مبالغ في الإثم. وذكر الأثيم على سبيل المبالغة والتوكيد من حيث اختلف اللفظان. وقال ابن فورك : ذكر الأثيم ليزول الاشتراك الذي في : كفار ، إذ يقع على الزارع الذي يستر الأرض. انتهى. وهذا فيه بعد ، إذ إطلاق القرآن ؛ الكافر ، والكافرون ، والكفار ، إنما هو على من كفر بالله ، وأما إطلاقه على الزارع فبقرينة لفظية ، كقوله : (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ) (١).
وقال ابن فورك : ومعنى الآية : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) محسنا صالحا ، بل يريده مسيئا فاجرا ، ويحتمل أن يريد : والله لا يحب توفيق الكفار الأثيم.
وقال ابن عطية : وهذه تأويلات مستكرهة : أما الأول فأفرط في تعدية الفعل ، وحمله من المعنى ما لا يحتمله لفظه ، وأما الثاني فغير صحيح المعنى ، بل الله تعالى يحب التوفيق على العموم ويحببه ، والمحب في الشاهد يكون منه ميل إلى المحبوب ، ولطف به ، وحرص على حفظه وتظهر دلائل ذلك ، والله تعالى يريد وجود ظهور الكافر على ما هو عليه ، وليس له عنده مزية الحب بأفعال تظهر عليه ، نحو ما ذكرناه في الشاهد ، وتلك المزية موجودة للمؤمن. انتهى كلامه.
__________________
(١) سورة الحديد : ٥٧ / ٢٠.