إلا اللعنة. وقيل : يعود على النار ، أضمرت لدلالة المعنى عليها ، ولكثرة ما جاء في القرآن من قوله : خالدين فيها ، وهو عائد على النار ، ولدلالة اللعنة على النار ، لأن كل من لعنه الله فهو في النار. (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) : سبق الكلام على مثل هاتين الجملتين تلو قوله (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ) (١) ، الآية ، فأغنى عن إعادته هنا. إلا أن الجملة من قوله : (لا يُخَفَّفُ) هي في موضع نصب من الضمير المستكن في خالدين ، أي غير مخفف عنهم العذاب. فهي حال متداخلة ، أي حال من حال ، لأن خالدين حال من الضمير في عليهم. ومن أجاز تعدي العامل إلى حالين لذي حال واحد ، أجاز أن تكون الجملة من قوله : (لا يُخَفَّفُ) ، حال من الضمير في عليهم ، ويجوز أن تكون : لا يخفف جملة استئنافية ، فلا موضع لها من الإعراب. وفي آخر الجملة الثانية ، هناك : ولا ينصرون ، نفى عنهم النصر ، وهنا : ولا هم ينظرون ، نفي الأنظار ، وهو تأخير العذاب.
(وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) الآية. روي عن ابن عباس أنها نزلت في كفار قريش ، قالوا : يا محمد ، صف وانسب لنا ربك ، فنزلت سورة الإخلاص وهذه الآية. وروي عنه أيضا أنه كان في الكعبة ، وقيل حولها ، ثلاثمائة وستون صنما يعبدونها من دون الله ، فنزلت. وظاهر الخطاب أنه لجميع المخلوقات المتصور منهم العبادة ، فهو إعلام لهم بوحدانية الله تعالى. ويحتمل أن يكون خطابا لمن قال : صف لنا ربك وانسبه ، أو خطابا لمن يعبد مع الله غيره من صنم ووثن ونار. وإله : خبر عن إلهكم ، وواحد : صفته ، وهو الخبر في المعنى لجواز الاستغناء عن إله ، ومنع الاقتصار عليه ، فهو شبيه بالحال الموطئة ، كقولك : مررت بزيد رجلا صالحا. والواحد المراد به نفي النظير ، أو القديم الذي لم يكن معه في الأزل شيء ، أو الذي لا أبعاض له ولا أجزاء ، أو المتوحد في استحقاق العبادة. أقوال أربعة أظهرها الأول. تقول : فلان واحد في عصره ، أي لا نظير له ولا شبيه ، وليس المعنى هنا بواحد مبدأ العدد.
(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) : توكيد لمعنى الوحدانية ونفي الإلهية عن غيره. وهي جملة جاءت لنفي كل فرد فرد من الآلهة ، ثم حصر ذلك المعنى فيه تبارك وتعالى ، فدلت الآية الأولى على نسبة الواحدية إليه تعالى ، ودلت الثانية على حصر الإلهية فيه من اللفظ الناص على ذلك ، وإن كانت الآية الأولى تستلزم ذلك ، لأن من ثبتت له الواحدية ثبتت له الإلهية.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٨٦.