وأجاز بعضهم أن تكون ناقصة وخبرها الجملة من قوله : تديرونها بينكم. ونفي الجناح هنا معناه لا مضرة عليكم في ترك الكتابة ، هذا على مذهب أكثر المفسرين ، إذ الكتابة عندهم ليست واجبة ، ومن ذهب إلى الوجوب فمعنى : لا جناح ، لا إثم.
(وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) هذا أمر بالإشهاد على التبايع مطلقا ، ناجزا أو كالئا ، لأنه أحوط وأبعد مما عسى أن يقع في ذلك من الاختلاف ، وقيل : يعود إلى التجارة الحاضرة ، لما رخص في ترك الكتابة أمروا بالإشهاد.
قيل : وهذه الآية منسوخة بقوله : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) روي ذلك عن الجحدري ، والحسن ، وعبد الرحمن بن يزيد ، والحكم. وقيل : هي محكمة ، والأمر في ذلك على الوجوب قال ذلك أبو موسى الأشعري ، وابن عمر ، والضحاك ، وابن المسيب ، وجابر بن زيد ، ومجاهد ، وعطاء ، وإبراهيم ، والشعبي ، والنخعي ، وداود بن علي ، وابنه أبو بكر ، والطبري.
قال الضحاك : هي عزيمة من الله ولو على باقة بقل. وقال عطاء : أشهد إذا بعت أو اشتريت بدرهم ، أو نصف درهم ، أو ثلاثة دراهم ، أو أقل من ذلك. وقال الطبري : لا يحل لمسلم إذا باع وإذا اشترى إلّا أن يشهد ، وإلّا كان مخالفا لكتاب الله عزوجل. وذهب الحسن وجماعة إلى أن هذا الأمر على الندب والإرشاد لا على الحتم. قال ابن العربي : وهذا قول الكافة.
(وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) هذا نهي ، ولذلك فتحت الراء لأنه مجزوم. والمشدّد إذا كان مجزوما كهذا كانت حركته الفتحة لخفتها ، لأنه من حيث أدغم لزم تحريكه ، فلو فك ظهر فيه الجزم.
واحتمل هذا الفعل أن يكون مبنيا للفاعل فيكون الكاتب والشهيد قد نهيا أن يضارا أحدا بأن يزيد الكاتب في الكتابة ، أو يحرف. وبأن يكتم الشاهد الشهادة ، أو يغيرها أو يمتنع من أدائها. قال معناه الحسن ، وطاووس ، وقتادة ، وابن زيد. واختاره : الزجاج لقوله بعد : (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) لأن اسم الفسق بمن يحرف الكتابة ، ويمتنع من الشهادة ، حتى يبطل الحق بالكلية أولى منه بمن أبرم الكاتب والشهيد ، ولأنه تعالى قال ، فيمن يمتنع من أداء الشهادة (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) والآثم والفاسق متقاربان. وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء : بأن يقولا : علينا شغل ولنا حاجة.