مبنيا للفاعل ، وأما إذا قدر مبنيا للمفعول فالخطاب للمشهود لهم. وقيل : هو راجع إلى ما وقع النهي عنه ، والمعنى وإن تفعلوا شيئا مما نهيتكم عنه ، أو تتركوا شيئا مما أمرتكم به ، فهو عام في جميع التكاليف ، فإنه فسوق بكم ، أي : خروج عن أمر الله وطاعته.
(وَاتَّقُوا اللهَ) أي : في ترك الضرار ، أو : في جميع أوامره ونواهيه. ولما كان قوله (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) خطابا على سبيل الوعيد ، أمر بتقوى الله حتى لا يقع في الفسق.
(وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) هذه جملة تذكر بنعم الله التي أشرفها : التعليم للعلوم ، وهي جملة مستأنفة لا موضع لها من الإعراب ، وقيل : هي في موضع نصب على الحال من الفاعل في : واتقوا ، تقديره : واتقوا الله مضمونا لكم التعليم والهداية. وقال أبو البقاء : ويجوز أن يكون حالا مقدرة. انتهى. وهذا القول ، أعني : الحال ، ضعيف جدا ، لأن المضارع الواقع حالا ، لا يدخل عليه واو الحال إلّا فيما شذ من نحو : قمت وأصك عينه. ولا ينبغي أن يحمل القرآن على الشذوذ.
(وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) إشارة إلى احاطته تعالى بالمعلومات ، فلا يشذ عنه منها شيء. وفيها إشعار بالمجازاة للفاسق والمتقي ، وأعيد لفظ الله في هذه الجمل الثلاث على طريق تعظيم الأمر ، جعلت كل جملة منها مستقلة بنفسها لا تحتاج إلى ربط بالضمير ، بل اكتفي فيها بربط حرف العطف ، وليست في معنى واحد ، فالأولى : حث على التقوى ، والثانية : تذكر بالنعم ، والثالثة : تتضمن الوعد والوعيد. وقيل : معنى الآية الوعد ، فإن من اتقى علمه الله ، وكثيرا ما يتمثل بهذه بعض المتطوعة من الصوفية الذين يتجافون عن الاشتغال بعلوم الشريعة ، من الفقه وغيره ، إذا ذكر له العلم ، والاشتغال به ، قالوا : قال الله : واتقوا الله ويعلمكم الله ، ومن أين تعرف التقوى؟ وهل تعرف إلّا بالعلم؟.
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ). مفهوم الشرط يقتضي امتناع الاستيثاق بالرهن ، وأخذه في الحضر ، وعند وجدان الكاتب ، لأنه تعالى علق جواز ذلك على وجود السفر وفقدان الكاتب ، وقد ذهب مجاهد ، والضحاك : إلى أن الرهن والائتمان إنما هو في السفر ، وأما في الحضر فلا ينبغي شيء من ذلك ، ونقل عنهما أنهما لا يجوّزان الارتهان إلّا في حال السفر ، وجمهور العلماء على جواز الرهن في الحضر ، ومع وجود الكاتب ، وأن الله تعالى ذكر السفر على سبيل التمثيل للإعذار ، لأنه مظنة فقدان