من معاصي القلب ، لأن الشهادة علم قام بالقلب ، فلذلك علق الإثم به. وهو من التعبير بالبعض عن الكل : (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب). وإسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ وآكد ، ألا ترى أنك تقول : أبصرته عيني؟ وسمعته أذني؟ ووعاه قلبي؟ فأسند الإثم إلى القلب إذ هو متعلق الإثم ، ومكان اقترافه ، وعنه يترجم اللسان. ولئلا يظنّ أن الكتمان من الآثام المتعلقة باللسان فقط ، وأفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح ، وهي لها كالأصول التي تتشعب منها ، لو خشع قلبه لخشعت جوارحه. وقراءة الجمهور : آثم ، اسم فاعل من : أثم قلبه ، و : قلبه ، مرفوع به على الفاعلية ، و : آثم ، خبر : إن ، وجوّز الزمخشري أن يكون : آثم ، خبرا مقدّما ، و : قلبه ، مبتدأ. والجملة في موضع خبر : إن ، وهذا الوجه لا يجيزه الكوفيون.
وقال ابن عطية : ويجوز أن يكون يعني : آثم ابتداء وقلبه فاعل يسدّ مسدّ الخبر ، والجملة خبر إن. انتهى. وهذا لا يصح على مذهب سيبويه وجمهور البصريين ، لأن اسم الفاعل لم يعتمد على أداة نفي ولا أداة استفهام ، نحو : أقائم الزيدان؟ وأ قائم الزيدون؟ وما قائم الزيدان؟ لكنه يجوز على مذهب أبي الحسن ، إذ يجيز : قائم الزيدان؟ فيرفع الزيدان باسم الفاعل دون اعتماد على أداة نفي ولا استفهام. قال ابن عطية : ويجوز أن يكون : قلبه ، بدلا على بدل بعض من كل ، يعنى : أن يكون بدلا من الضمير المرفوع المستكن في : آثم ، والإعراب الأول هو الوجه.
وقرأ قوم : قلبه ، بالنصب ، ونسبها ابن عطية إلى ابن أبي عبلة. وقال : قال مكي : هو على التفسير يعنى التمييز ، ثم ضعف من أجل أنه معرفة. والكوفيون يجيزون مجيء التمييز معرفة. وقد خرجه بعضهم على أنه منصوب على التشبيه بالمفعول به ، نحو قولهم : مررت برجل حسن وجهه ، ومثله ما أنشد الكسائي رحمهالله تعالى :
أنعتها إني من نعاتها |
|
مدارة الأخفاف مجمراتها |
غلب الدفار وعفريناتها |
|
كوم الذرى وادقة سراتها |
وهذا التخريج هو على مذهب الكوفيين جائز ، وعلى مذهب المبرد ممنوع ، وعلى مذهب سيبويه جائز في الشعر لا في الكلام ، ويجوز أن ينتصب على البدل من اسم إن بدل بعض من كل ، ولا مبالاة بالفصل بين البدل والمبدل منه بالخبر ، لأن ذلك جائز. وقد فصلوا