سعة رحمته. وجاءت هذه الآية عقيب آية مختومة باللعنة والعذاب لمن مات غير موحد له تعالى ، إذ غالب القرآن أنه إذا ذكرت آية عذاب ، ذكرت آية رحمة ، وإذا ذكرت آية رحمة ، ذكرت آية عذاب. وتقدم شرح هاتين الصفتين ، فأغنى عن إعادته. ويجوز ارتفاع الرحمن على البدل من هو ، وعلى إضمار مبتدأ محذوف ، أي هو الرحمن الرحيم ، وعلى أن يكون خبرا بعد خبر لقوله : وإلهكم ، فيكون قد قضى هذا المبتدأ ثلاثة أخبار : إله واحد خبر ، ولا إله إلا هو خبر ثان ، والرحمن الرحيم خبر ثالث. ولا يجوز أن يكون خبرا لهو هذه المذكورة لأن المستثنى هنا ليس بجملة ، بخلاف قولك : ما مررت برجل إلا هو أفضل من زيد. قالوا : ولا يجوز أن يرتفع على الصفة لهو ، لأن المضمر لا يوصف. انتهى. وهو جائز على مذهب الكسائي ، إذا كانت الصفة للمدح ، وكان الضمير الغائب. وأهمل ابن مالك القيد الأول ، فأطلق عن الكسائي أنه يجيز وصف الضمير الغائب. روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن هاتين الآيتين اسم الله الأعظم ، وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم».
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : روي أنه لما نزل (وَإِلهُكُمْ) الآية ، قالت كفار قريش : كيف يسع الناس إله واحد؟ فنزل : (إِنَّ فِي خَلْقِ). ولما تقدم وصفه تعالى بالوحدانية واختصاصه بالإلهية ، استدل بهذا الخلق الغريب والبناء العجيب استدلالا بالأثر على المؤثر ، وبالصنعة على الصانع ، وعرفهم طريق النظر ، وفيم ينظرون. فبدأ أولا بذكر العالم العلوي فقال : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ). وخلقها : إيجادها واختراعها ، أو خلقها وتركيب أجرامها وائتلاف أجزائها من قولهم : خلق فلان حسن : أي خلقته وشكله. وقيل : خلق هنا زائدة والتقدير : إن في السموات والأرض ، لأن الخلق إرادة تكوين الشيء. والآيات في المشاهد من السموات والأرض ، لا في الإرادة ، وهذا ضعيف ، لأن زيادة الأسماء لم تثبت في اللسان ، ولأن الخلق ليس هو الإرادة ، بل الخلق ناشىء عن الإرادة. قالوا : وجمع السموات لأنها أجناس ، كل سماء من جنس غير جنس الأحرى ، ووحد الأرض لأنها كلها من تراب. وبدأ بذكر السماء لشرفها وعظم ما احتوت عليه من الأفلاك والأملاك والعرش والكرسي وغير ذلك ، وآياتها : ارتفاعها من غير عمد تحتها ، ولا علائق من فوقها ، ثم ما فيها من النيرين ، الشمس والقمر والنجوم السيارة والكواكب الزاهرة ، شارقة وغاربة ، نيرة وممحوّة ، وعظم أجرامها وارتفاعها ، حتى قال أرباب الهيئة : إن الشمس قدر الأرض مائة وأربع وستين مرّة ، وإن أصغر نجم في السماء قدر الأرض سبع مرّات ، وإن الأفلاك عظيمة الأجرام ، قد ذكر أرباب علم الهيئة مقاديرها ، وإنها سبعة