فقط. وفي مصحف حفصة هنا وتصريف الأرواح. ولم يختلفوا في توحيد ما ليس فيه ألف ولام. وجاءت في القرآن مجموعة مع الرحمة مفردة مع العذاب ، إلا في يونس في قوله : (وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) (١). وفي الحديث : «اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا». قال ابن عطية : لأن ريح العذاب شديدة ملتئمة الأجزاء كأنها جسم واحد ، وريح الرحمة لينة متقطعة ، فلذلك هي رياح ، وهو معنى ينشر ، وأفردت مع الفلك ، لأن ريح أجزاء السفن إنما هي واحدة متصلة. ثم وصفت بالطيب فزال الاشتراك بينها وبين ريح العذاب ، انتهى. ومن قرأ بالتوحيد ، فإنه يريد الجنس ، فهو كقراءة الجمع. والرياح في موضع رفع ، فيكون تصريف مصدرا مضافا للفاعل ، أي وتصريف الرياح ، السحاب أو غيره مما لها فيه تأثير بإذن الله. ويحتمل أن يكون في موضع نصب ، فيكون المصدر في المعنى مضافا إلى الفاعل ، وفي اللفظ مضافا إلى المفعول ، أي وتصريف الله الرياح.
(وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ) ، تسخيره : بعثه من مكان إلى مكان. وقيل : تسخيره : ثبوته بين السماء والأرض بلا علاقة تمسكه. ووصف السحاب هنا بالمسخر ، وهو مفرد لأنه اسم جنس ، وفيه لغتان : التذكير : كهذا وكقوله : (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) (٢) ، والتأنيث على معنى تأنيث الجمع ، فتارة يوصف بما يوصف به الواحدة المؤنثة ، وتارة يوصف بما يوصف به الجمع كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً) (٣). قال كعب الأحبار : السحاب غربال المطر ، ولولا السحاب لأفسد المطر ما يقع عليه من الأرض. فقيل : السحاب يأخذ المطر من السماء ، وقيل : يغترفه من بحار الأرض ، وقيل : يخلقه الله فيه ، وللفلاسفة فيه أقوال. وجعل مسخرا باعتبار إمساكه الماء ، إذ الماء ثقيل ، فبقاؤه في جوّ الهواء هو على خلاف ما طبع عليه ، وتقديره بالمقدار المعلوم الذي فيه المصلحة ، يأتي به الله في وقت الحاجة ، ويرده عند زوال الحاجة ، أو سوقه بواسطة تحريك الريح إلى حيث أراد الله تعالى. وفي كل واحد من هذه الأوجه استدلال على الوحدانية.
(بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) : انتصاب بين على الظرف ، والعامل فيه المسخر ، أي سخر بين كذا وكذا ، أو محذوف تقديره كائنا بين ، فيكون حالا من الضمير المستكن في المسخر. (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) : دخلت اللام على اسم إن لحيلولة الخبر بينه وبينها ، إذ
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ٢٢.
(٢) سورة القمر : ٥٤ / ٢٠.
(٣) سورة الأعراف : ٧ / ٥٧.