زيدا ، لم يكن ذلك تعجبا من فعل الفاعل ، إنما يكون تعجبا من فعل المفعول ، ولا يجوز أن يتعجب من الفعل الواقع بالمفعول ، فينتصب المفعول به كانتصاب الفاعل. لا تقول : ما أضرب زيدا ، على أن زيدا حل به الضرب. وإذا تقرر هذا ، فلا يجوز زيد أحب لعمرو ، لأنه يكون المعنى : أن زيدا هو المحبوب لعمرو. فلما لم يجز ذلك ، عدل إلى التعجب وأفعل التفضيل بما يسوغ منه ذلك ، فتقول : ما أشد حب زيد لعمرو ، وزيد أشد حبا لعمرو من خالد لجعفر. على أنهم قد شذوا فقالوا : ما أحبه إليّ ، فتعجبوا من فعل المفعول على جهة الشذوذ ، ولم يكن القرآن ليأتي على الشاذ في الاستعمال والقياس ، ويعدل على الصحيح الفصيح. وانتصاب حبا على التمييز ، وهو من التمييز المنقول من المبتدأ تقديره : حبهم لله أشد من حب أولئك لله ، أو لأندادهم ، على اختلاف القولين.
(وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ) : قرأ نافع وابن عامر : وإذ ترون ، بالتاء من فوق أن القوة ، وأن بفتحهما. وقرأ ابن عامر : إذ يرون ، بضم الياء. وقرأ الباقون : بالفتح. وقرأ الحسن ، وقتادة ، وشيبة ، وأبو جعفر ، ويعقوب : ولو ترى ، بالتاء من فوق إن القوة ، وإن بكسرهما. وقرأ الكوفيون ، وأبو عمرو ، وابن كثير : ولو يرى ، بالياء من أسفل أن القوة ، وأن بفتحهما. وقرأت طائفة : ولو يرى ، بالياء من أسفل إن القوة ، وإن بكسرهما. ولو هنا حرف لما كان سيقع لوقوع غيره ، فلا بد لها من جواب ، واختلف في تقديره. فمنهم من قدره قبل أن القوة ، فيكون أن القوة معمولا لذلك الجواب ، التقدير : على قراءة من قرأ بالتاء من فوق ، لعلمت أيها السامع أن القوة لله جميعا ، أو لعلمت يا محمد أن كان المخاطب في ولو ترى له. وقد كان صلىاللهعليهوسلم علم ذلك ، ولكن خوطب ، والمراد أمته ، فإن فيهم من يحتاج لتقوية علمه بمشاهدة مثل هذا. ومن قرأ بالكسر ، قدر الجواب : لقلت إن القوة على اختلاف القولين في المخاطب بقوله : ولو ترى من هو؟ أهو السامع؟ أم النبي صلىاللهعليهوسلم؟ أو يكون التقدير : لاستعظمت حالهم. وأن القوة ، وإن كانت مكسورة ، فيها معنى التعليل مثل : لو قدمت على زيد لأحسن إليك ، إنه مكرم للضيفان. وقال ابن عطية : تقدير ذلك : ولو ترى الذين ظلموا ، في حال رؤيتهم العذاب وفزعهم منه واستعظامهم له ، لأقروا أن القوة لله. فالجواب مضمر على هذا النحو من المعنى ، وهو العامل في أن انتهى. وفيه مناقشة ، وهو قوله : في حال رؤيتهم العذاب. وكان ينبغي أن يقدر بمرادف ، إذ وهو قوله : في وقت رؤيتهم العذاب ، وأيضا فقدر جواب لو ، وهو غير مترتب على ما يلي لو ، لأن رؤية السامع ، أو النبي صلىاللهعليهوسلم الظالمين في وقت