الأحوال. وهذا التركيب أبلغ هنا من أن لو قلت : إن الله قوي ، إذ تدل هنا على الإخبار عنه بهذا الوصف. وأن القوة لله تدل على أن جميع أنواع القوى ثابتة مستقرة له تعالى ، وتأخر وصفه تعالى بأنه شديد العذاب عن ذلك ، لأن شدة العذاب هي من آثار القوة.
(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) : لما ذكر متخذي الأنداد ذكر أن عبادتهم لهم وإفناء أعمارهم في طاعتهم ، معتقدين أنهم سبب نجاتهم ، لم تغن شيئا ، وأنهم حين صاروا أحوج إليهم ، تبرأوا منهم. وإذ : بدل من : إذ يرون العذاب. وقيل : معمولة لقوله شديد العذاب. وقيل : لمحذوف تقديره اذكروا الذين اتبعوا ، هم رؤساؤهم وقادتهم الذين اتبعوهم في أقوالهم وأفعالهم ، قاله ابن عباس وعطاء وأبو العالية وقتادة والربيع ومقاتل والزجاج ، أو الشياطين الذين كانوا يوسوسون ويرونهم الحسن قبيحا والقبيح حسنا ، قاله الحسن وقتادة أيضا والسدي ؛ أو عام في كل متبوع ، وهو الذي يدل عليه ظاهر اللفظ. وقراءة الجمهور : اتبعوا الأول مبنيا للمفعول ، والثاني مبنيا للفاعل. وقراءة مجاهد بالعكس. فعلى قراءة الجمهور : تبرؤ المتبوعون بالندم على الكفر ، أو بالعجز عن الدفع ، أو بالقول : إنا لم نضل هؤلاء ، بل كفروا بإرادتهم وتعلق العقاب عليهم بكفرهم ، ولم يتأت ما حاولوه من تعليق ذنوبهم على من أضلهم. أقوال ثلاثة ، الأخير أظهرها ، وهو أن يكون التبرؤ بالقول. قال تعالى : (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) (١). وتبرؤ التابعين هو انفصالهم عن متبوعيهم والندم على عبادتهم ، إذ لم يجد عنهم يوم القيامة شيئا ، ولم يدفع عنهم من عذاب الله ، ورأوا العذاب الظاهر. إن هذه الجملة ، هي وما بعدها ، قد عطفتا على تبرأ ، فهما داخلان في حيز الظرف. وقيل : الواو للحال فيهما ، والعامل تبرأ ، أي تبرأوا في حال رؤيتهم العذاب وتقطع الأسباب بهم ، لأنها حالة يزداد فيها الخوف والتنصل ممن كان سببا في العذاب. وقيل : الواو للحال في : ورأوا العذاب ، وللعطف في : وتقطعت على تبرأ ، وهو اختيار الزمخشري.
(وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) : كناية عن أن لا منجى لهم من العذاب ، ولا مخلص ، ولا تعلق بشيء يخلص من عذاب الله ، وهو عام في كل ما يمكن أن يتعلق به. وللمفسرين في الأسباب أقوال : الوصلات عن قتادة ، والأرحام عن ابن عباس وابن جريج ، أو الأعمال الملتزمة عن ابن زيد والسدي ، أو العهود عن مجاهد وأبي روق ، أو وصلات الكفر ، أو
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٦٣.