تقول : تحسرت على كذا ، فعلى هنا متعلقة بقوله : حسرات. ويحتمل أن تكون في موضع الصفة ، فالعامل محذوف ، أي حسرات كائنة عليهم ، وعلى تشعر بأن الحسرات مستعلية عليهم. وأعمالهم ، قيل : هي الأعمال التي صنعوها ، وأضيفت إليهم من حيث عملوها ، وأنهم مأخوذون بها. وهذا على قول من يقول : إن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ، وهذا معنى قول الربيع وابن زيد : أنها الأعمال السيئة التي ارتكبوها ، فوجب لهم بها النار. وقال ابن مسعود والسدّي : المعنى أعمالهم الصالحة التي تركوها ، ففاتتهم الجنة ، وأضيفت إليهم من حيث كانوا مأمورين بها. قال السدي : ترفع لهم الجنة فينظرون إلى بيوتهم فيها ، لو أطاعوا الله تعالى ، فيقال لهم : تلك مساكنكم لو أطعتم الله تعالى ، ثم تقسم بين المؤمنين فيرثونهم ، فذلك حين يندمون. وهذا معنى قول بعضهم ، إن أعمالهم قد أحبط ثوابها كفرهم ، لأن الكافر لا يثاب مع كفره. ألا ترى إلى قوله صلىاللهعليهوسلم ، وقد ذكر له أن ابن جدعان كان يصل الرحم ويطعم المسكين ، وسئل : هل ذلك نافعه؟ قال : «لا ينفعه ، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين» ، ومنه قوله تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (١). وقيل : المعنى أعمالهم التي تقربوا بها إلى رؤسائهم من تعظيمهم والانقياد لأمرهم. والظاهر أنها الأعمال التي اتبعوا فيها رؤساءهم وقادتهم ، وهي الكفر والمعاصي. وكانت حسرة عليهم ، لأنهم رأوها مسطورة في صحائفهم ، وتيقنوا الجزاء عليها ، وكان يمكنهم تركها والعدول عنها ، لو شاء الله.
(وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) : هذا يدل على دخول النار ، إذ لا يقال : ما زيد بخارج من كذا إلا بعد الدخول. ولم يتقدم في الآية نص على دخولهم ، إنما تقدم رؤيتهم العذاب ومفاوضة بسبب تبرؤ المتبوعين من الأتباع ، وجاء الخبر مصحوبا بالباء الدالة على التوكيد. وقال الزمخشري : هم بمنزلته في قوله :
هم يفرشون اللبد كل طمرّه
في دلالته على قوة أمرهم فيما أسند إليهم ، لا على الاختصاص. انتهى كلامه ، وفيه دسيسة اعتزال ، لأنه إذا لم يدل على الاختصاص ، لا يكون فيه رد لقول المعتزلة ، إن الفاسق يخلد في النار ولا يخرج منها. وأما قول صاحب المنتخب : إن الأصحاب احتجوا على أن صاحب الكبيرة من أهل القبلة ، إلى آخر كلامه ، فهو غير مسلم ، ولا دلالة في الآية
__________________
(١) سورة الفرقان : ٢٥ / ٢٣.