على شيء من المذهبين. لأنك إذا قلت : ما زيد بمنطلق ، وإنما في ذلك دلالة على نفي انطلاق زيد ، وأما أن في ذلك دلالة على اختصاصه بنفي الانطلاق ، أو مشاركة غيره له في نفي الانطلاق ، فلا إنما يفهم ذلك ، أعني الاختصاص ، بنفي الخروج من النار ، إذ المشاركة في ذلك من دليل خارج ، وهل النفي إلا مركب على الإيجاب؟ فإذا قلت : زيد منطلق ، فليس في هذا دليل على شيء من الاختصاص ، ولا شيء من المشاركة ، فكذلك النفي ، وكونه قابلا للخصومة والاشتراك ، يدل على ذلك. ألا ترى أنك تقول : زيد منطلق لا غيره ، وزيد منطلق مع غيره؟.
وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة. إخباره تعالى بأن الصفا والمروة من معالمه التي جعلها محملا لعبادته ، وإن كان قد سبق غشيان المشركين لها ، وتقربهم بالأصنام عليها. وصرّح برفع الإثم عمن طاف بهما ممن حج أو اعتمر. ثم ذكر أن من تبرع بخير ، فإن الله شاكر لفعله ، عليم بنيته ، لما كان التطوّع يشتمل على فعل ونية ، ختم بهاتين الصفتين المتناسبتين. ثم أخبر تعالى عمن كتم ما أنزل الله من الحكم الإلهي من بعد ما بينه في كتابه ، لعنه الله وملائكته ومن يسوغ منه اللعن من صالحي عباده. ثم استثنى من تاب وأصلح ، وبين ما كتم. ولم يكتف بالتوبة فقط حتى أضاف إليها الإصلاح ، لأن كتم ما أنزل الله من أعظم الإفساد ، إذ فيه حمل الناس على غير المنهج الشرعي. وأضاف التبيين لما كتم حتى يتضح للناس وضوحا بينا ما كان عليه من الضلال ، وأنه أقلع عن ذلك ، وسلك نقيض فعله الأول ، فكان ذلك أدعى لزوال ما قرر أولا من كتمان الحق.
وبضدها تتبين الأشياء
ثم أخبر تعالى عن هؤلاء المستثنين ، أنه يتوب عليهم ، وأنه تعالى لا يتعاظم عنده ذنب ، وإن كان أعظم الذنوب ، إذا تاب العبد منه. ثم أخبر تعالى أنه التواب الرحيم ، بصفتي المبالغة التي في فعال وفعيل. ولما ذكر تعالى حال المؤمنين المتسمين بالصبر والصلاة والحج ، وغير ذلك من أعمال البر ، وحال من ارتكب المعاصي ، ثم أقلع عن ذلك وتاب إلى الله. ذكر حال من وافى على الكفر ، وأنه تحت لعنة الله وملائكته والناس ، وأنهم خالدون في اللعنة ، غير مخفف عنهم العذاب ، ولا مرجئون إلى وقت. ثم لما كان كفر معظم الكفار إنما هو لاتخاذهم مع الله آلهة (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) (١)؟ (أَأَنْتَ قُلْتَ
__________________
(١) سورة ص : ٣٨ / ٥.