قال ابن إسحاق : ضمها إلى خالتها أم يحيى حتى إذا شبت وبلغت مبلغ النساء بنى لها محرابا في المسجد ، وجعل بابه في وسطه لا يرقى إليه إلّا بسلم ، مثل باب الكعبة ، ولا يصعد إليها غيره. وقيل : كان يغلق عليها سبعة أبواب إذا خرج. قال مقاتل : كان يغلق عليها الباب ومعه المفتاح لا يأمن عليه أحدا ، فإذا حاضت أخرجها إلى منزله تكون مع خالتها أم يحيى أو أختها ، فإذا طهرت ردها إلى بيت المقدس. وقيل : كانت مطهرة من الحيض.
(كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً). قال مجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي : وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف ، وفاكهة الصيف في الشتاء. وقال الحسن : تكلمت في المهد ولم تلقم ثديا قط ، وإنما كانت يأتيها رزقها من الجنة.
والذي ورد في الصحيح أن الذي تكلم في المهد ثلاثة : عيسى ، وصاحب جريج ، وابن المرأة. وورد من طريق شاذ : صاحب الأخدود. والأغرب أن مريم منهم.
وقيل : كان جريح النجار ، واسمه يوسف بن يعقوب ، وكان ابن عم مريم حين كفلها بالقرعة وقد ضعف زكريا عن القيام بها ، يأتيها من كسبه بشيء لطيف على قدر وسعه ، فيزكو ذلك الطعام ويكثر ، فيدخل زكريا عليها فيتحقق أنه ليس من وسع جريج ، فيسألها. وهذا يدل على أن ذلك كان بعد أن كبرت وهو الأقرب للصواب.
وقيل : كانت ترزق من غير رزق بلادهم. قال ابن عباس : كان عنبا في مكتل ولم يكن في تلك البلاد عنب ، وقاله ابن جبير ، ومجاهد. وقيل : كان بعض الصالحين يأتيها بالرزق.
والذي يدل عليه ظاهر الآية أن الذي كفلها بالتربية هو زكريا لا غيره ، فإن الله تعالى كفاه لما كفلها مؤونة رزقها ، ووضع عنه بحسن التكفل مشقة التكلف.
و : كلما ، تقتضي التكرار ، فيدل على كثرة تعهده وتفقده لأحوالها. ودلت الآية على وجود الرزق عندها كل وقت يدخل عليها ، والمعنى : أنه غذاء يتغذى به لم يعهده عندها ، ولم يوجهه هو. وأبعد من فسر الرزق هنا بأنه فيض كان يأتيها من الله من العلم والحكمة من غير تعليم آدمي ، فسماه رزقا. قال الراغب : واللفظ محتمل ، انتهى ، وهذا شبيه بتفسير الباطنية.
(قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) استغرب زكريا وجود الرزق عندها وهو لم يكن أتى به ، وتكرر وجوده عندها كلما دخل عليها ، فسأل على سبيل التعجب من