امرأته ، وفي مريم عكس ، فقال الماتريدي : لا تراعى الألفاظ في الحكاية إنما تراعى المعاني المدرجة في الألفاظ.
وقال غيره : صدر الآيات في مريم مطابق لهذا الترتيب هنا ، لأنه قدم : أنه وهن العظم منه (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) (١) وقال : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ، وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) (٢) فلما أعاد ذكرها في الاستعلام أخر ذكر الكبر ليوافق عتيا رؤوس الآي ، وهو باب مقصود في الفصاحة يترجح إذا لم يخل بالمعنى ، والعطف هنا بالواو ، فليس التقديم والتأخير مشعرا بتقدم زمان ، وإنما هذا من باب تقديم المناسب في فصاحة الكلام.
(قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) الكاف : للتشبيه ، وذلك : إشارة إلى الفعل ، أي : مثل ذلك الفعل ، وهو تكوّن الولد بين الفاني والعاقر ، يفعل الله ما يشاء من الأفعال الغريبة فيكون إخبارا من الله أنه يفعل الأشياء التي تتعلق بها مشيئته فعلا ، مثل ذلك الفعل لا يعجزه شيء ، بل سبب إيجاده هو تعلق الإرادة : سواء كان من الأفعال الجارية على العادة أم من التي لا تجري على العادة؟ وإذا كان تعالى يوجد الأشياء من العدم الصرف بلا مادة ولا سبب ، فكيف بالأشياء التي لها مادة وسبب وإن كان ذلك على خلاف العادة؟ وتكون الكاف على هذا الوجه في موضع نصب على أنها صفة لمصدر محذوف ، أي : فعلا مثل ذلك الفعل ، أو على انها في موضع الحال من ضمير المصدر المحذوف : من يفعل ، وذلك على مذهب سيبويه ، وقد تقدّم لنا مثل هذا ، ويحتمل أن يكون كذلك الله مبتدأ وخبرا ، وذلك على حذف مضاف ، أي صنع الله الغريب مثل ذلك الصنع ، ويكون (يَفْعَلُ ما يَشاءُ) شرحا للإبهام الذي في اسم الإشارة ، وقدره الزمخشري على نحو هذه الصفة : الله ، قال : (يَفْعَلُ ما يَشاءُ) بيان له ، أي يفعل ما يشاء من الأفاعيل الخارقة للعادات. انتهى.
وقال ابن عطية : أي : كهذه القدرة المستغربة هي قدرة الله. انتهى.
وعلى هذا الاحتمال ، تكون الكاف في موضع رفع ، لأن الجار والمجرور في موضع خبر المبتدأ والكلام جملتان ، وعلى التفسير الأول الكلام جملة واحدة. قال ابن عطية وغيره : واللفظ لابن عطية : ويحتمل أن تكون الإشارة بذلك إلى حال زكريا وحال امرأته ، كأنه قال : رب على أي وجه يكون لنا غلام ونحن بحال كذا؟ فقال له : كما أنتما يكون لكما الغلام. والكلام تام على هذا التأويل في قوله : كذلك ، وقوله : الله يفعل ما يشاء ،
__________________
(١) سورة مريم : ١٩ / ٤.
(٢) سورة مريم : ١٩ / ٥.