جملة مبينة مقررة في النفس وقوع هذا الأمر المستغرب. انتهى كلامه. فيكون : كذلك ، متعلقا بمحذوف وشرح الراغب المعنى فقال : يهب لك الولد وأنت بحالتك. والظاهر من هذه الأقوال الثلاثة هو الأول.
(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) قال الربيع ، والسدي ، وغيرهما : إن زكريا قال : يا رب إن كان ذلك الكلام من قبلك ، والبشارة حق ، فاجعل لي آية ، علامة أعرف بها صحة ذلك! فعوقب على هذا الشك في أمر الله بأن منع الكلام ثلاثة أيام مع الناس. وقالت فرقة من المفسرين : لم يشك قط زكريا ، وإنما سأل عن الجهة التي بها يكون الولد ، وتتم به البشارة ، فلما قيل له : (كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) سأل علامة على وقت الحمل ليعرف متى يكون العلوق بيحيى.
واختلفوا في منعه الكلام : هل كان لآفة نزلت به أم لغير آفة؟ فقال جبير بن نفير : ربا لسانه في فيه حتى ملأه ، ثم أطلقه الله بعد ثلاث. وقال الربيع ، وغيره : أخذ الله عليه لسانه فجعل لا يقدر على الكلام معاقبة على سؤال آية بعد مشافهة الملائكة له بالبشارة. وقالت طائفة : لم تكن آفة ، ولكنه منع مجاورة الناس ، فلم يقدر عليها ، وكان يقدر على ذكر الله ، قاله الطبري ، وذكر نحوه عن محمد بن كعب ، وكانت الآية حبس اللسان لتخلص المدة لذكر الله لا يشغل لسانه بغيره توفرا منه على قضاء حق تلك النعمة الجسيمة وشكرها ، وكأنه لما طلب الآية من أجل الشكر قيل له : آيتك أن يحبس لسانك إلّا عن الشكر.
وأحسن الجواب وأوقعه ما كان مشتقا من السؤال ، ومنتزعا منه وكان الإعجاز في هذه الآية من جهة قدرته على ذكر الله ، وعجزه عن تكليم الناس ، مع سلامة البنية واعتدال المزاج ، ومنه جهة وقوع العلوق وحصوله على وفق الاخبار.
وقيل : أمر أن يصوم ثلاثة أيام ، وكانوا لا يتكلمون في صومهم. وقال أبو مسلم : يحتمل أن يكون معناه : آيتك أن تصير مأمورا بأن لا تكلم الخلق ، وأن تشتغل بالذكر شكرا على إعطاء هذه الموهبة ، وإذا أمرت بذلك فقد حصل المطلوب. قيل : فسأل الله أن يفرض عليه فرضا يجعله شكرا لذلك.
والذي يدل عليه ظاهر الآية أنه سأل آية تدل على أنه يولد له ، فأجابه بأن آيته انتفاء الكلام منه مع الناس ثلاثة أيام إلّا رمزا ، وأمر بالذكر والتسبيح وانتفاء الكلام قد يكون