وقيل : بالصدق فيما اختلف فيه ، قاله محمد بن جرير. وقيل : بالصدق فيما تضمنه من الأخبار عن القرون الخالية. وقيل : بالصدق فيما تضمنه من الوعد بالثواب على الطاعة ، ومن الوعيد بالعقاب على المعصية.
وقيل : معنى بالحق : بالحجج والبراهين القاطعة.
والباء : تحتمل السببية أي : بسبب إثبات الحق ، وتحتمل الحال ، أي : محقا نحو : خرج زيد بسلاحه ، أي متسلحا.
(مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) أي : من كتب الأنبياء ، وتصديقه إياها أنها أخبرت بمجيئه ، ووقوع المخبر به يجعل المخبر صادقا ، وهو يدل على صحة القرآن ، لأنه لو كان من عند غير الله لم يوافقها ، قاله أبو مسلم. وقيل : المراد منه أنه لم يبعث نبيا قط ، إلّا بالدعاء إلى توحيده ، والإيمان ، وتنزيهه عما لا يليق به ، والأمر بالعدل والإحسان ، والشرائع التي هي صلاح أهل كل زمان. فالقرآن مصدق لتلك الكتب في كل ذلك ، والقرآن ، وإن كان ناسخا لشرائع أكثر الكتب ، فهي مبشرة بالقرآن وبالرسول ، ودالة على أن أحكامها تثبت إلى حين بعثة الله تعالى رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وأنها تصير منسوخة عند نزول القرآن. فقد وافقت القرآن ، وكان مصدقا لها لأن الدلائل الدالة على ثبوت الإلهية لا تختلف.
وانتصاب : مصدقا ، على الحال من الكتاب ، وهي حال مؤكدة ، وهي لازمة ، لأنه لا يمكن أن يكون غير مصدق لما بين يديه ، فهو كما قال :
أنا ابن دارة معروفا به نسبي |
|
وهل بدارة يا للناس من عار؟ |
وقيل : انتصاب : مصدقا ، على أنه بدل من موضع : بالحق ، وقيل : حال من الضمير المجرور. و : لما ، متعلق بمصدقا ، واللام لتقوية التعدية ، إذ : مصدقا ، يتعدى بنفسه ، لأن فعله يتعدى بنفسه. والمعنى هنا بقوله (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) المتقدم في الزمان. وأصل هذا أن يقال : لما يتمكن الإنسان من التصرف فيه. كالشيء الذي يحتوي عليه ، ويقال : هو بين يديه إذا كان قدامه غير بعيد.
(وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ) فخم راء التوراة ابن كثير ، وعاصم ، وابن عامر ، وأضجعها : أبو عمرو ، والكسائي. وقرأها بين اللفظين : حمزة ، ونافع. وروى المسيبي عن نافع فتحها.