في الدنيا بالطاعة ، وفي الآخرة بالشفاعة. وقيل : في الدنيا بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، وفي الآخرة بالشفاعة. وقيل : في الدنيا كريما لا يرد وجهه ، وفي الآخرة في عليه المرسلين. وقال الزمخشري : الوجاهة في الدنيا النبوة والتقدم على الناس ، وفي الآخرة الشفاعة وعلو الدرجة في الجنة. وقال ابن عطية : وجاهة عيسى في الدنيا نبوته وذكره ورفعه ، وفي الآخرة مكانته ونعيمه وشفاعته.
(وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) معناه من الله تعالى. وقال الزمخشري : وكونه من المقرّبين رفع إلى السماء وصحبته الملائكة. وقال قتادة : ومن المقربين عند الله يوم القيامة. وقيل : من الناس بالقبول والإجابة ، قاله الماوردي. وقيل : معناه : المبالغ في تقريبهم ، لأن فعل من صيغ المبالغة ، فقال : قرّبه يقرّبه إذا بالغ في تقريبه انتهى. وليس فعل هنا من صيغ المبالغة ، لأن التضعيف هنا للتعدية ، إنما يكون للمبالغة في نحو : جرّحت زيدا و : موّت الناس.
(وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) معطوف على قوله : وجيها ، وتقديره : ومقربا من جملة المقربين.
أعلم تعالى أن ثمّ مقربين ، وأن عيسى منهم. ونظير هذا العطف قوله تعالى : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ) (١) فقوله : وبالليل ، جار ومجرور في موضع الحال ، وهو معطوف على : مصبحين ، وجاءت هذه الحال هكذا لأنها من الفواصل ، فلو جاء : ومقربا ، لم تكن فاصلة ، وأيضا فأعلم تعالى أن عيسى مقرب من جملة المقربين ، والتقريب صفة جليلة عظيمة. ألا ترى إلى قوله : (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ)؟ (٢) وقوله : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ)؟ (٣) وهو تقريب من الله تعالى بالمكانة والشرف وعلو المنزلة.
(وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) وعطف : ويكلم ، وهو حال أيضا على : وجيها ، ونظيره : (إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) (٤) أي : وقابضات. وكذلك : ويكلم ، أي : ومكلما. وأتى في الحال الأول بالاسم لأن الاسم هو للثبوت ، وجاءت الحال الثانية جارا ومجرورا لأنه يقدر بالاسم. وجاءت الحال الثالثة جملة لأنها في الرتبة الثالثة. ألا ترى أن
__________________
(١) سورة الصافات : ٣٧ / ١٣٧.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٧٢.
(٣) سورة الواقعة : ٥٦ / ٨٨ و ٨٩.
(٤) سورة الملك : ٦٧ / ١٩.