بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) (١) فلما بشرها لم تتيقن صحة قوله لأنها لم تعلم أنه ملك ، فقالت : (رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ)؟
ومن ذهب إلى أن قولها : رب ، وقول زكريا : رب ، إنما هو نداء لجبريل لما بشرهما ، ومعناه : يا سيدي فقد أبعد. وقال الزمخشري : هو من بدع التفاسير ، و : يكون ، يحتمل أن تكون الناقصة والتامة ، كما سبق في قصة زكريا. و : لم يمسسني بشر ، جملة حالية ، والمسيس هنا كناية عن الوطء ، وهذا نفي عام أن يكون باشرها أحد بأي نوع كان من تزوّج أو غيره ، والبشر يطلق على الواحد والجمع ، والمراد هنا النفي العام ، وسمي بشرا لظهور بشرته وهو جلده ، وبشرت الأديم قشرت وجهه ، وأبشرت الأرض أخرجت نباتها ، وتباشير الصبح أول ما يبدو من نوره.
(قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) تقدم الكلام في نظيرها في قصة زكريا ، إلّا أن في قصته (يَفْعَلُ ما يَشاءُ) (٢) من حيث إن أمر زكريا داخل في الإمكان العادي الذي يتعارف ، وإن قل ، وفي قصة مريم : يخلق ، لأنه لا يتعارف مثله ، وهو وجود ولد من غير والد ، فهو إيجاد واختراع من غير سبب عادي ، فلذلك جاء بلفظ : يخلق ، الدال على هذا المعنى.
وقد ألغز بعض العرب المستشهد بكلامها فقال :
ألا رب مولود وليس له أب |
|
وذي ولد لم يلده أبوان |
يريد : عيسى وآدم.
(إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) تقدم الكلام على هذه الجملة في البقرة : لغة وتفسيرا وقراءة وإعرابا ، فأغنى ذلك عن إعادته.
(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) الكتاب : هنا مصدر ، أي : يعلمه الخط باليد ، قاله ابن عباس ، وابن جريج وجماعة. وقيل : الكتاب هو كتاب غير معلوم ، علمه الله عيسى مع التوراة والإنجيل. وقيل : كتب الله المنزلة. والألف واللام للجنس. وقيل : هو التوراة والإنجيل.
قالوا : وتكون الواو في : والتوراة ، مقحمة ، والكتاب عبارة عن المكتوب ، وتعليمه إياها قيل : بالإلهام ، وقيل : بالوحي ، وقيل : بالتوفيق والهداية للتعلم والحكمة. تقدم
__________________
(١) سورة مريم : ١٩ / ١٨.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ٤٠ والحج : ٢٢ / ١٨.