وقرأ الحسن : والإنجيل ، بفتح الهمزة ، وهذا يدل على أنه أعجمي ، لأن أفعيلا ليس من أبنية كلام العرب ، بخلاف إفعيل ، فإنه موجود في أبنيتهم : كإخريط ، وإصليت.
وتعلق : من قبل ، بقوله : وأنزل ، والمضاف إليه المحذوف هو الكتاب المذكور ، أي : من قبل الكتاب المنزل عليك وقيل : التقدير من قبلك ، فيكون المحذوف ضمير الرسول. وغاير بين نزل وأنزل ، وإن كانا بمعنى واحد ، إذ التضعيف للتعدية ، كما أن الهمزة للتعدية.
وقال الزمخشري :
فإن قلت لم قيل : نزل الكتاب ، وأنزل التوراة والإنجيل؟.
قلت : لأن القرآن نزل منجما ، ونزل الكتابان جملة. انتهى. وقد تقدم الرد على هذا القول. وأن التعدية بالتضعيف لا تدل على التكثير ، ولا التنجيم ، وقد جاء في القرآن : نزل وأنزل ، قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) (١) و (أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) ويدل على أنهما بمعنى واحد قراءة من قرأ ما كان : ممن ينزل ، مشددا بالتخفيف ، إلّا ما استثنى ، فلو كان أحدهما يدل على التنجيم ، والآخر يدل على النزول دفعة واحدة ، لتناقض الإخبار. وهو محال.
(هُدىً لِلنَّاسِ) قيل : هو قيد في الكتاب والتوراة والإنجيل. والظاهر أنه قيد في التوراة والإنجيل ، ولم يثن لأنه مصدر. وقيل : هو قيد في الإنجيل وحده ، وحذف من التوراة ، ودل عليه هذا القول الذي للإنجيل وقيل : تم الكلام عند قوله (مِنْ قَبْلُ) ثم استأنف فقال (هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) فيكون الهدى للفرقان فحسب ، ويكون على هذا الفرقان القرآن ، وهذا لا يجوز ، لأن هدى إذ ذاك يكون معمولا لقوله : وأنزل الفرقان هدى ، وما بعد حرف العطف لا يتقدم عليه ، لو قلت : ضربت زيدا ، مجردة و : ضربت هندا ، تريد ، وضربت هندا مجردة لم يجز ، وانتصابه على الحال. وقيل : هو مفعول من أجله ، والهدى : هو البيان ، فيحتمل أن يراد أن التوراة والإنجيل هدى بالفعل ، فيكون الناس هنا مخصوصا ، إذ لم تقع الهداية لكل الناس ، ويحتمل أن يكون أراد أنهما هدى في ذاتهما ، وأنهما داعيان للهدى ، فيكون الناس عاما ، أي : هما منصوبان وداعيان لمن
__________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ٤٤.