زيادة الواو في : ويعلمه ، فحينئذ يصح أن يكون ابتداء كلام ، وإن عنى أنه ليس معطوفا على ما ذكر ، فكان ينبغي أن يبين ما عطف عليه ، وأن يكون الذي عطف عليه ابتداء كلام حتى يكون المعطوف كذلك.
وقال الطبري : قراءة الياء عطف على قوله (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) وقراءة النون عطف على قوله (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) قال ابن عطية : وهذا القول الذي قاله في الوجهين مفسد للمعنى. انتهى. ولم يبين ابن عطية جهة إفساد المعنى ، أما قراءة النون فظاهر فساد عطفه على : نوحيه ، من حيث اللفظ ، ومن حيث المعنى ، أما من حيث اللفظ فمثله لا يقع في لسان العرب لبعد الفصل المفرط ، وتعقيد التركيب ، وتنافر الكلام. وأما من حيث المعنى فإن المعطوف بالواو شريك المعطوف عليه ، فيصير المعنى بقوله ذلك من أنباء الغيب أي : إخبارك يا محمد بقصة امرأة عمران ، وولادتها لمريم ، وكفالة زكريا ، وقصته في ولادة يحيى له ، وتبشير الملائكة لمريم بالاصطفاء والتطهير ، كل ذلك من أخبار الغيب ، نعلّمه ، أي : نعلم عيسى الكتاب ، فهذا كلام لا ينتظم معناه مع معنى ما قبله.
وأما قراءة الياء وعطف : ويعلمه ، على : يخلق ، فليست مفسدة للمعنى ، بل هو أولى وأصح ما يحمل عليه عطف : ويعلمه ، لقرب لفظه وصحة معناه. وقد ذكرنا جوازه قبل ، ويكون الله قد أخبر مريم بأنه تعالى يخلق الأشياء الغريبة التي لم تجر بها عادة ، مثل ما خلق لك ولدا من غير أب ، وأنه تعالى يعلم هذا الولد الذي يخلقه لك ما لم يعلمه قبله من الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ، فيكون في هذا الإخبار أعظم تبشير لها بهذا الولد ، وإظهار بركته ، وأنه ليس مشبها أولاد الناس من بني إسرائيل ، بل هو مخالف لهم في أصل النشأة ، وفيما يعلمه تعالى من العلم ، وهذا يظهر لي أنه أحسن ما يحمل عليه عطف : ويعلمه.
(وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) اختلفوا في : رسولا ، هنا. فقيل : هو وصف بمعنى المرسل على ظاهر ما يفهم منه. وقيل : هو مصدر بمعنى رسالة ، إذ قد ثبت أن رسولا يكون بمعنى رسالة ، وممن جوز ذلك فيه هنا الحوفي ، وأبو البقاء ، وقالا : هو معطوف على الكتاب ، أي : ويعلمه رسالة إلى بني إسرائيل ، فتكون : رسالة ، داخلا في ما يعلمه الله عيسى. وأجاز أبو البقاء في هذا الوجه أن يكون مصدرا في موضع الحال. وأما الوجه الأول فقالوا في إعرابه ، وجوها.