(وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) الضمير في : مكروا ، عائد على من عاد عليه الضمير في : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) وهم : بنو إسرائيل ، ومكرهم هو احتيالهم في قتل عيسى بأن وكلوا به من يقتله غيلة ، وسيأتي ذكر كيفية حصره وحصر أصحابه في مكان ، ورومهم قتله وإلقاء الشبه على رجل ، وقتل ذلك الرجل وصلبه في مكانه ، إن شاء الله.
(وَمَكَرَ اللهُ) مجازاتهم على مكرهم سمى ذلك مكرا ، لأن المجازاة لهم ناشئة عن المكر ، كقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (١) وقوله (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) (٢) وكثيرا ما تسمى العقوبة باسم الذنب ، وإن لم تكن في معناه.
وقيل : مكر الله بهم هو ردّهم عما أرادوا برفع عيسى إلى السماء ، وإلقاء شبهه على من أراد اغتياله حتى قتل.
وقال الأصم : مكر الله بهم أن سلط عليهم أهل فارس فقتلوهم وسبوا ذراريهم وذكر ابن إسحاق : أن اليهود غزوا الحواريين بعد رفع عيسى ، فأخذوهم وعذبوهم ، فسمع بذلك ملك الروم ، وكان ملك اليهود من رعيته ، فأنقذهم ثم غزا بني إسرائيل وصار نصرانيا ، ولم يظهر ذلك. ثم ولي ملك آخر بعد وغزا بيت المقدس بعد رفع عيسى بنحو من أربعين سنة ، فلم يترك فيه حجرا على آخر ، وخرج عند ذلك قريظة والنضير إلى الحجاز.
وقال المفضل : ودبروا ودبر الله ، والمكر لطف التدبير. وقال ابن عيسى : المكر قبيح ، وإنما جاز في صفة الله تعالى على مزاوجة الكلام. وقيل : مكر الله بهم إعلاء دينه وقهرهم بالذل ، ومكرهم لزومهم إبطال دينه. والمكر عبارة عن الاحتيال في إيصال الشر في خفية ، وذلك غير ممتنع. وقيل : المكر الأخذ بالغفلة لمن استحقه ، وسأل رجل الجنيد ، فقال : كيف رضي الله سبحانه لنفسه المكر وقد عاب به غيره؟ فقال : لا أدري ما تقول ، ولكن أنشدني فلان الظهراني :
ويقبح من سواك الفعل عندي |
|
فتفعله فيحسن منك ذاكا |
ثم قال : قد أجبتك إن كنت تعقل.
(وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) معناه أي : المجازين أهل الخير بالفضل وأهل الجور
__________________
(١) سورة الشورى : ٤٢ / ٤٠.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٩٤.