عليك الذي هو الآيات والذكر الحكيم ، لاحتيج إلى تأويل ، لأن هذا المشار إليه من نبأ من تقدم ذكره ليس هو جميع الآيات ، والذكر الحكيم إنما هو بعض الآيات ، فيحتاج إلى تأويل أنه جعل بعض الآيات ، والذكر هو الآيات ، والذكر على سبيل المجاز.
وممن ذهب إلى أنها لبيان الجنس : أبو محمد بن عطية ، وبدأ به ، ثم قال : ويجوز أن تكون للتبعيض. وجوّزوا أن يكون ذلك منصوبا بفعل محذوف يفسره ما بعده ، فيكون من باب الإشتغال ، أي : نتلو ذلك نتلوه عليك ، والرفع على الابتداء أفصح لأنه عرى من مرجح النصب على الاشتغال ؛ فزيد ضربته ، أفصح من : زيدا ضربته ، وإن كان عربيا ، وعلى هذا الإعراب يكون : نتلوه ، لا موضع له من الإعراب ، لأنه مفسر لذلك الفعل المحذوف ، ويكون : من الآيات ، حالا من ضمير النصب في : نتلوه.
وأجاز الزمخشري أن يكون : ذلك ، بمعنى : الذي ، و : نتلوه ، صلته. و : من الآيات ، الخبر. وقاله الزجاج قبله ، وهذه نزعة كوفية ، يجيزون في أسماء الإشارة أن تكون موصولة ، ولا يجوز ذلك عند البصريين ، إلّا في : ذا ، وحدها إذا سبقها : ما ، الاستفهامية باتفاق ، أو : من ، الاستفهامية باختلاف. وتقرير هذا في علم النحو.
وجوّزوا أيضا أن يكون : ذلك ، مبتدأ و : من الآيات ، خبر. و : نتلوه ، حال. وأن يكون : ذلك ، خبر مبتدأ محذوف ، أي : الأمر ذلك. و : نتلوه ، حال.
والظاهر في قوله : (وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) أنه معطوف على الآيات ، ومن جعلها للقسم وجواب القسم : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى) فقد أبعد.
(إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) قال ابن عباس ، وعكرمة ، وقتادة ، والسدي وغيرهم : جادل وفد نجران النبي صلىاللهعليهوسلم في أمر عيسى ، وقالوا : بلغنا أنك تشتم صاحبنا ، وتقول : هو ، عبد ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «وما يضرّ ذلك عيسى ، أجل هو عبد الله ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه». فقالوا : فهل رأيت بشرا قط جاء من غير فحل أو سمعت به؟ فخرجوا ، فنزلت.
وفي بعض الروايات أنهم قالوا : فإن كنت صادقا فأرنا مثله! فنزلت.
وروى وكيع عن مبارك عن الحسن قال : جاء راهبا نجران فعرض عليهما الإسلام فقال أحدهما : قد أسلمنا قبلك ، فقال : «كذبتما ، يمنعكما من الإسلام ثلاث : عبادتكما