من مشاركة معنوية بين من ضرب به المثل ، وبين من ضرب له المثل ، من وجه واحد ، أو من وجوه لا يشترط الاشتراك في سائر الصفات. والمعنى الذي وقعت فيه المشاركة بين آدم وعيسى كون كل واحد منهما خلق من غير أب. وقال بعض أهل العلم : المشاركة بين آدم وعيسى في خمسة عشر وصفا : في التكوين ، و : في الخلق من العناصر التي ركب الله منها الدنيا. وفي العبودية ، وفي النبوّة. وفي المحنة : عيسى باليهود ، وآدم بإبليس ، وفي : أكلهما الطعام والشراب ، وفي الفقر إلى الله. وفي الصورة ، وفي الرفع إلى السماء والإنزال منها إلى الأرض ، وفي الإلهام ، عطس آدم فألهم ، فقال الحمد لله. وألهم عيسى ، حين أخرج من بطن أمّة فقال : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ) (١) وفي العلم ، قال : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ) (٢) وقال : (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) (٣) وفي نفخ الروح فيهما (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) (٤) (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) (٥) وفي الموت ، وفي فقد الأب ، ومعنى : عند الله أي عند من يعرف حقيقة الأمر ، وكيف هو. أي : هكذا هو الأمر فيما غاب عنكم ولم تطلعوا على كنهه.
والعامل في : عند ، العامل في : كاف التشبيه ، وهذا التشبيه هو من أحد الطرفين كما تقدّم ، وهو الوجود من غير أب وهما نظيران في أن كلّا منهما أوجده الله خارجا عما استقر واستمرّ في العادة من خلق الإنسان متولدا من ذكر وأنثى ، كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) (٦) والوجود من غير أب وأمّ أغرب في العادة من وجود من غير أب ، فشبه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأحسم لمادة شبهته إذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه ، وأسر بعض العلماء بالروم فقال لهم لم تعبدون عيسى؟ قالوا : لأنه لا أب له. قال : فآدم أولى لأنه لا أبوين له. قالوا : كان يحيي الموتى. قال : فحزقيل أولى لأن عيسى أحيا أربعة نفر ، وأحيا حزقيل ثمانية آلاف. فقالوا : كان يبرىء الأكمه والأبرص. قال : فجرجيس أولى لأنه طحن وأحرق ، ثم قام سالما. انتهى.
وصح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ردّ عين قتادة بعد ما قلعت ، وردّ الله نورها ، وصح أن أعمى دعا له فردّ الله له بصره.
__________________
(١) سورة مريم : ١٩ / ٣٠.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٣١.
(٣) سورة آل عمران : ٣ / ٤٨.
(٤) سورة الحجر : ١٥ / ٢٩ ؛ وص : ٣٨ / ٧٢.
(٥) سورة الأنبياء : ٢١ / ٩١ والتحريم : ٦٦ / ١٢.
(٦) سورة الحجرات : ٤٩ / ١٣.