واسطة ، والنبي يأخذ عن الله بواسطة ومن آخذ بلا واسطة أفضل ممن أخذ بواسطة. وهذه المقالة مخالفة لمقالات أهل الإسلام ، نعوذ بالله من ذلك ، ولا أحد أكذب ممن يدعي أن الولي يأخذ عن الله بغير واسطة ، لقد يقشعرّ المؤمن من سماع هذا الافتراء. وحكى لي من لا أتهمه عن بعض المنتمين ، إلى أنه من أهل الصلاح ، أنه رؤي في يده كتاب ينظر فيه ، فسئل عنه. فقال : فيه ما أخذته عن رسول الله ، وفيه ما أخذته عن الله شفاها ، أو شافهني به ، الشك من السامع. فانظر إلى جراءة هذا الكاذب على الله حيث ادعى مقام من كلمة الله : كموسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام وعلى سائر الأنبياء؟
قيل : وفي هذه الآية ضروب من البلاغة : منها إسناد الفعل إلى غير فاعله ، وهو : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى) والله لم يشافهه بذلك ، بل بإخبار جبريل أو غيره من الملائكة. والاستعارة في : (مُتَوَفِّيكَ) وفي : (فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) والتفصيل لما أجمل في : (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ) بقوله : فأما ، وأمّا ، والزيادة لزيادة المعنى في (مِنْ ناصِرِينَ) أو : المثل في قوله (إِنَّ مَثَلَ عِيسى). والتجوز بوضع المضارع موضع الماضي في قوله (نَتْلُوهُ) وفي (فَيَكُونُ) وبالجمع بين أداتي تشبيه على قول في (كَمَثَلِ آدَمَ) وبالتجوز بتسمية الشيء باسم أصله في (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ). وخطاب العين ، والمراد به غيره ، في (فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ). والعام يراد به الخاص في (نَدْعُ أَبْناءَنا) الآية والتجوز بإقامة ابن العم مقام النفس على أشهر الأقوال ، والحذف في مواضع كثيرة.
إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٢) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٥) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٦٦) ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً