وقال ابن إسحاق : كان بين إبراهيم وموسى خمسمائة سنة وخمس وستون سنة ، وبين موسى وعيسى ألف وتسعمائة سنة وخمس وعشرون.
والواو في : (وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ) لعطف جملة على جملة ، هكذا ذكروا. والذي يظهر أنها للحال كهي في قوله تعالى : (لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) (١) وقوله (لِمَ تَلْبِسُونَ) (٢) ثم قال (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٣) وقوله : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) (٤) أنكر عليهم ادّعاء أن إبراهيم كان على شريعة اليهود أو النصارى ، والحال أن شريعتيهما متأخرتان عنه في الوجود ، فكيف يكون عليها مع تقدمه عليها؟
وأمّا الحنيفية والإسلام فمن الأوصاف التي يختص بها كل ذي دين حق ، ولذلك قال تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (٥) إذ الحنيف هو المائل للحق ، والمسلم هو المستسلم للحق ، وقد أخبر القرآن بأن إبراهيم (كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً) (٦).
وفي قوله : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) توبيخ على استحالة مقالتهم ، وتنبيه على ما يظهر به غلطهم ومكابرتهم.
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) الذي لهم به علم هو دينهم الذي وجدوه في كتبهم وثبت عندهم صحته ، والذي ليس لهم به علم هو أمر إبراهيم ودينه ، ليس موجودا في كتبهم ، ولا أتتهم به أنبياؤهم ، ولا شاهدوه فيعلموه. قاله قتادة ، والسدي ، والربيع ، وغيرهم. وهو الظاهر لما حف به من قبله ، ومن بعده من الحديث في إبراهيم ، ونسب هذا القول إلى الطبري ابن عطية ، وقال : ذهب عنه أن ما كان هكذا فلا يحتاج معهم فيه إلى محاجة ، لأنهم يجدونه عند محمد صلىاللهعليهوسلم كما كان هنالك على حقيقته.
وقيل : الذي لهم به علم هو أمر محمد صلىاللهعليهوسلم ، لأنهم وجدوا نعته في كتبهم ، فجادلوا بالباطل. والذي ليس لهم به علم هو أمر إبراهيم.
والظاهر في قوله : (فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) إثبات العلم لهم. وقال ابن عطية : فيما لكم به علم على زعمكم ، وإنما المعنى : فيما يشبه دعواكم ، ويكون الدليل العقلي يرد
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٧٠.
(٣ ـ ٢) سورة آل عمران : ٣ / ٧١.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ٢٨.
(٥) سورة آل عمران : ٣ / ١٩.
(٦) سورة آل عمران : ٣ / ٦٧.