عليكم. وقال قتادة أيضا : حاججتم فيما شهدتم ورأيتم ، فلم تحاجون فيما لم تشاهدوا ولم تعلموا؟ وقال الرازي : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) الآية. أي : زعمتم أن شريعة التوراة والإنجيل مخالفة لشريعة القرآن ، فكيف تحاجون فيما لا علم لكم به؟ وهو ادّعاؤهم أن شريعة إبراهيم مخالفة لشريعة محمد صلىاللهعليهوسلم؟
ويحتمل أن يكون قوله (لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) أي : تدعون علمه ، لا أنه وصفهم بالعلم حقيقة ، فكيف يحاجون فيما لا علم لهم به البتة.
وقرأ الكوفيون ، وابن عامر ، والبزي : ها أنتم ، بألف بعد الهاء بعدها همزة : أنتم ، محققة. وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، ويعقوب : بهاء بعدها ألف بعدها همزة مسهلة بين بين ، وأبدل أناس هذه الهمزة ألفا محضة لورش ها ، للتنبيه لأنه يكثر وجودها مع المضمرات المرفوعة مفصولا بينها وبين اسم الإشارة حيث لا استفهام ، وأصلها أن تباشر اسم الإشارة ، لكن اعتنى بحرف التنبيه ، فقدم ، وذلك نحو قول العرب : ها أنا ذا قائما ، و : ها أنت ذا تصنع كذا. و : ها هوذا قائما. ولم ينبه المخاطب هنا على وجود ذاته ، بل نبه على حال غفل عنها لشغفه بما التبس به ، وتلك الحالة هي أنهم حاجوا فيما لا يعلمون ، ولم ترد به التوراة والإنجيل ، فتقول لهم : هب أنكم تحتجون فيما تدعون أن قد ورد به كتب الله المتقدمة ، فلم تحتجون فيما ليس كذلك؟ وتكون الجملة خبرية وهو الأصل ، لأنه قد صدرت منهم المحاجة فيما يعلمون ، ولذاك أنكر عليهم بعد المحاجة فيما ليس لهم به علم ، وعلى هذا يكون : ها ، قد أعيدت مع اسم الإشارة توكيدا ، وتكون في قراءة قنبل قد حذف ألف : ها ، كما حذفها من وقف على : (أَيُّهَ الثَّقَلانِ) (١) يا أيه بالسكون وليس الحذف فيها يقوى في القياس. وقال أبو عمرو بن العلاء ، وأبو الحسن الأخفش : الأصل في : ها أنتم. فأبدل من الهمزة الأولى التي للاستفهام هاء. لأنها أختها. واستحسنه النحاس. وإبدال الهمزة هاء مسموع في كلمات ولا ينقاس ، ولم يسمع ذلك في همزة الاستفهام ، لا يحفظ من كلامهم : هتضرب زيدا ، بمعنى : أتضرب زيدا إلّا في بيت نادر جاءت فيه : ها ، بدل همزة الاستفهام ، وهو :
وأتت صواحبها وقلن هذا الذي |
|
منح المودّة غيرنا وجفانا |
ثم فصل بين الهاء المبدلة من همزة الاستفهام ، وهمزة : أتت ، لا يناسب ، لأنه إنما يفصل
__________________
(١) سورة الرحمن : ٥٥ / ٣١.