لاستثقال اجتماع الهمزتين ، وهنا قد زال الاستثقال بإبدال الأولى : هاء ، ألا ترى أنهم حذفوا الهمزة في نحو : أريقه ، إذ أصله : أأريقه؟ فلما أبدلوها هاء لم يحذفوا ، بل قالوا : أهريقه.
وقد وجهوا قراءة قنبل على أن : الهاء ، بدل من همزة الاستفهام لكونها هاء لا ألف بعدها ، وعلى هذا من أثبت الألف ، فيكون عنده فاصلة بين الهاء المبدلة من همزة الاستفهام ، وبين همزة : أنتم ، أجرى البدل في الفصل مجرى المبدل منه ، والاستفهام على هذا معناه التعجب من حماقتهم ، وأمّا من سهل فلأنها همزة بعد ألف على حد تسهيلهم إياها في : هيأة. وأمّا تحقيقها فهو الأصل ، وأمّا إبدالها ألفا فقد تقدّم الكلام في ذلك في قوله (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) (١).
و : أنتم ، مبتدأ ، و : هؤلاء. الخبر. و : حاججتم ، جملة حالية. كقول : ها أنت ذا قائما. وهي من الأحوال التي ليست يستغنى عنها ، كقوله : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ) (٢) على أحسن الوجوه في إعرابه.
وقال الزمخشري : أنتم ، مبتدأ ، و : هؤلاء ، خبره ، و : حاججتم ، جملة مستأنفة مبينة للجملة الأولى ، يعني : أنتم هؤلاء الأشخاص الحمقى ، وبيان حماقتكم ، وقلة عقولكم ، أنكم حاججتم فيما لكم به علم مما نطق به التوراة والإنجيل ، فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ، ولا ذكر له في كتابيكم من دين إبراهيم؟ انتهى.
وأجازوا أن يكون : هؤلاء ، بدلا ، وعطف بيان ، والخبر : حاججتم ، وأجازوا أن يكون ، هؤلاء ، موصولا بمعنى الذي ، وهو خبر المبتدأ ، أو : حاججتم ، صلته. وهذا على رأي الكوفيين. وأجازوا أيضا أن يكون منادى أي : يا هؤلاء ، وحذف منه حرف النداء ، ولا يجوز حذف حرف النداء من المشار على مذهب البصريين ، ويجوز على مذهب الكوفيين ، وقد جاء في الشعر حذفه ، وهو قليل ، نحو قول رجل من طيء :
إن الألى وصفوا قومي لهم فهم |
|
هذا اعتصم تلق من عاداك مخذولا |
وقال :
لا يغرّنكم أولاء من القنو |
|
م جنوح للسلم فهو خداع |
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٦.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٨٥.