يريد : يا هذا اعتصم ، و : يا أولاء.
(وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أي : يعلم دين إبراهيم الذي حاججتم فيه ، وكيف حال الشرائع في الموافقة. والمخالفة ، وأنتم لا تعلمون ذلك ، وهو تأكيد لما قبله من نفي العلم عنهم في شأن إبراهيم ، وفي قوله : والله يعلم ، استدعاء لهم أن يسمعوا ، كما تقول لمن تخبره بشيء لا يعلمه : اسمع فإني أعلم ما لا تعلم.
(ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أعلم تعالى براءة إبراهيم من هذه الأديان ، وبدأ بانتفاء اليهودية ، لأن شريعة اليهود أقدم من شريعة النصارى ، وكرر ، لا ، لتأكيد النفي عن كل واحد من الدينين ، ثم استدرك ما كان عليه بقوله (وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً) ووقعت لكن هنا أحسن موقعها ، إذ هي واقعة بين النقيضين بالنسبة إلى اعتقاد الحق والباطل.
ولما كان الكلام مع اليهود والنصارى ، كان الاستدارك بعد ذكر الانتفاء عن شريعتهما ، ثم نفى على سبيل التكميل للتبري من سائر الأديان كونه من المشركين ، وهم : عبدة الأصنام ، كالعرب الذين كانوا يدعون أنهم على دين إبراهيم ، وكالمجوس عبدة النار ، وكالصابئة عبدة الكواكب ، ولم ينص على تفصيلهم ، لأن الإشراك يجمعهم.
وقيل : أراد بالمشركين اليهود والنصارى لإشراكهم به عزيرا والمسيح ، فتكون هذه الجملة توكيدا لما قبلها من قوله (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا) وجاء : من المشركين ، ولم يجىء : وما كان مشركا ، فيناسب النفي قبله ، لأنها رأس آية.
وقال ابن عطية : نفى عنه اليهودية والنصرانية والإشراك الذي هو عبادة الأوثان ؛ ودخل في ذلك الإشراك الذي تتضمنه اليهودية والنصرانية. وجاء ترتيب النفي على غاية الفصاحة ، نفي نفس الملل ، وقرر الحال الحسنة ، ثم نفى نفيا بين به أن تلك الملل فيها هذا الفساد الذي هو الشرك ، وهذا كما تقول : ما أخذت لك مالا ، بل حفظته. وما كنت سارقا ، فنفيت أقبح ما يكون في الأخذ. انتهى كلامه.
وتلخص بما تقدم أن قوله. (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ثلاثة أقوال : أحدها : أن المشركين عبدة الأصنام والنار والكواكب. والثاني : أنهم اليهود والنصارى. والثالث : عبدة الأوثان واليهود والنصارى.